19 ديسمبر، 2024 3:53 ص

بشار الأسد جعل شيعة العراق يدفعون الثمن مرتين

بشار الأسد جعل شيعة العراق يدفعون الثمن مرتين

بعد الغزو الأمريكي في 2003 وسقوط نظام صدام ومع التبشير الأمريكي بإستنبات الديمقراطية في الواحة العراقيه وجد الشيعة انفسهم بين ليلة وضحاها يتصدرون المشهد السياسي ليس بناء على الرغبه الأميركيه بل كنتيجة طبيعيه لكونهم يشكلون الأغلبيه السكانيه بعد تغييبهم لمدة خسمة وثلاثون عاما التي هي عمر النظام السابق .
وبالرغم من وجود انظمة ديمقراطيه سواء على صعيد المنطقة كتركيا او على صعيد العالم العربي كلبنان  الا ان النظام السوري وجد في الأعلان الأمريكي نوعا من اعلان الحرب عليه .
قراءة هذا النظام للمشهد السياسي العراقي الجديد كانت خاطئه ومستعجلة وجاءت بناء على مشورة ملغومه قدمها له ازلام النظام البائد الذين ولوا مذعورين الى دمشق بعد سقوط نظام سيدهم حيث تقبل رأس النظام السوري هذا المشورة بتسليم من دون اي رويه او تمحيص .
قبل سقوط بغداد كانت امريكا موجوده في المنطقة منذ اكثر من خمسين عاما لكنها لم تدعوا الى انشاء اي صيغة ديمقراطية فيها وحتى عندما بدأت زفة الحريات وحقوق الأنسان ضد الأتحاد السوفياتي وحلفاءه في المنظومة الأشتراكيه في اواسط الثمانينات والتي انتهت بسقوط جدار برلين في عام 1989 وانفراط عقد حلف وارشو وانهيار دوله الشيوعيه وتحولها نحو الديمقراطيه ثم تشظي اعظم دولة اشتراكية في العالم وهي الأتحاد السوفياتي وجدنا كيف ان الولايات المتحده كانت حريصة اشد الحرص على تجنيب منطقة الشرق الأوسط وخصوصا دول الخليج التأثر بهذه الزفه .
في حزيران من عام 1998 حضرت محاضرة في بيت الحكمة  لمحاضر عراقي زائر يحمل الجنسية الأمريكيه قال في محاضرته ان الولايات المتحده بعد خمس سنوات وبسبب الطلب المتنامي على البترول ولكي لايعبر سعر البرميل حاجز المئة دولار ـ في وقتها اصابني وبقية الحضور ذكر هذا الرقم بالصدمه ــ ستكون امام خيارين لاثالث لهما هو اما ان تقوم برفع الحصار الذي كانت تفرضه على العراق عبر قرارت مجلس الأمن ــ بالمناسبة مجلس الأمن في حينها لم يكن سوى الحديقة الخلفيه لوزارة الخارجيه الأمريكيه ــ  او تحضر مباشرة الى العراق كون الأحتياطي الضخم الذي يضمه باطن الأرض العراقيه يعتبر في نظرها صمام امان للسيطرة على سوق الطاقة وبالتالي الأبقاء على هيمنتها في التفرد بقيادة العالم .
وبالرغم من ان افغانستان قد سبقتنا في استقبال الأمريكان لكنه ولغاية سقوط بغداد لم يكن الأمريكان معنيون بإنشاء نظام ديمقراطي في كابل  وكان جل همهم القضاء على القاعده وطالبان والأمساك بإسامة بن لادن ليس الا … لهذا نراهم الآن ورغم مرور اكثر من اثناعشر عاما على تواجدهم هناك يتنكرون حتى للشعار الذي برروا به غزوهم لهذه البلاد القاضي بضرورة نشر وتعزيز الديمقراطيه ويديرون ظهرهم حتى  لصنيعتهم نظام كرزاي ويفاوضون طالبان التي هي الفصيل الأفعاني لتنظيم القاعده .
هذا يثبت ان الحضور الأمريكي الى العراق ليس من اجل سواد عيون العراقيين ولا الخطر الذي يشكله نظام صدام على السلم العالمي فهذا النظام لايملك اي امكانية لتهديد هذا السلم وحتى الديمقراطية التي رفعوا شعار اقامتها لم تكن في وارد حساباتهم وانما النفط والنفط وحده كان وراء هذا الحضور ولو كانوا حقا معنيين بالحريات وقضايا حقوق الأنسان كما يسوقون ويبررون تدخلاتهم فالأولى بهم وهم المسؤولون عن قيادة العالم حل قضية الشعب الفلسطيني الذي لم يشهد التاريخ الأنساني نظيرا لظلامته  رغم ان امريكا وبقية دول الغرب هي المسؤولة الأولى عن إنشاء هذه الظلامه .
وكي ينجح المشروع الديمقراطي في العراق وفق التصور الأمريكي كان لابد من تحطيم كل قواعد الدولة السابقة وانشاء دولة جديده لاعلاقة لها بالدولة القديمة لامن قريب ولامن بعيد لهذا نجدهم قد طلبوا حتى من افراد شرطة المرور وعناصرالشرطة المحليه الذين لاعلاقة لهم بالقتال الأنسحاب من جميع اماكن تواجدهم والذهاب الى بيوتهم وفي ظل هذا الغياب الرسمي للإجهزة الأمنيه  ظهر مسلسل تخريبي واسع النطاق  من عمليات نهب وسلب وتخريب وتدمير وحرق لكثير من المؤسسات والمشاريع العامه والبنوك والمصارف بل وصل الأمر الى نهب المستشفيات والمؤسسات التعليميه وحتى المتاحف لم تسلم من عمليات السلب والنهب صحيح ان الغالبيه المساهمة في هذا المسلسل هم من عامة الشعب الا انهم بوعي منهم او من دونه طبقوا ما اراده المحتل الأمريكي .
في الأيام الأولى التي اعقبت سقوط نظام صدام لم يكن للشيعة كيانات سياسية واضحة المعالم قادرة على تمثيلهم في هذا المشهد السياسي الجديد رغم كثرة اسماء التنظيمات المتداولة لذا كانت الفرصة مواتية لرجال الدين لكي يطلوا على الساحة السياسيه كقادة لهذه الطائفه بعد غيابهم عنها اكثر من ثمانين عاما اذ كان اخر ظهور مؤثر لهم اثناء ثورة العشرين من القرن الماضي لهذا وجدنا بعد التغيير كيف ان الشارع بدأ يكثر من تداول مفردتي المرجعية والحوزة العلميه  واصبح  افراد الطائفة الشيعيه اكثر قبولا وامتثالا للتوجيهات التي يصدرها المرجع الأعلى علي السيستاني وبعض الزعامات الدينيه من البيانات التي تصدرها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحده وازداد حضور المرجعيات الدينية في الحياة العامة شيئا فشيئا حتى استطاعت ان تؤثر على اتجاه بوصلة العمل السياسي اكثر بكثير من تأثير الأمريكان انفسهم وتسحب العملية السياسية بإتجاه مرافيء لم يكن الأمريكان راغبين في الرسو فيها رغم تواجدهم العسكري الواسع النطاق لهذا تم انتخاب الجمعية الوطنيه بفضل الفتاوي الدينيه  وهذه الجمعيه بدورها كتبت الدستور الذي تم الأستفتاء عليه بدعم ومباركة من المرجعيات الدينيه .
بعد ان وجد الأمريكان انفسهم قد فقدوا دفة قيادة الأمور في العراق وجدوا ضالتهم في تعويض بعض من هذه الخسارة التي منوا بها وذلك من خلال خطاب التهييج الطائفي الذي كان موجها لأبناء الطائفه السنية والذين بدورهم وجدوا انفسهم خارج اللعبة السياسيه بسبب الفتاوي الدينيه  التي اطلقتها مراجعهم  الدينيه التي كانت مقربة في يوم من الأيام من صدام  والتي حرمت على ابناء هذه الطائفه المشاركة في العملية السياسية الجديده التي يقودها الشيعه ونجح الأمريكان ايما نجاح في الإيقاع بين ابناء الطائفتين  فكانت حادثة تفجير قبة الأمامين العسكريين في سامراء والتي كان يعول عليها في إشعال الفتنة الطائفيه حيث كاد هذا العمل ان يشعل احترابا طائفيا لم يكن في يوم من الأيام في وارد بال العراقيين وللأسف الشديد كان النظام السوري له مساهمته الفعالة قبل واثناء وبعد تفجير قبة العسكريين .
الشيء الذي بقي غامضا على الكثير ولم يجد له احد تفسيرا هو سر هذا الأفتراق في الموقف بين ايران وسوريا خصوصا في المسألة العراقيه وبالتحديد في سنينها الأولى التي اعقبت التغيير فبالرغم من عرى التحالف الوثيق بين نظامي دمشق وطهران نجد ان ايران كانت رغم الحضور الأمريكي الواسع في العراق تتعامل ببراغماتيه مع الأمر وساهمت في دعم وتثبيت النظام الجديد عكس النظام السوري الذي  ناصب هذه التجربه العداء السافر فكان خير ظهير للإرهاب الذي كان يضرب العراق من اقصاه الى اقصاه وكانت سوريا ممرا ومأوى للأرهابين من كل حدب وصوب وكان هذا النظام يعتمد في تسويق تصرفه هذا بإن الأمريكان يريدون ان يضعوا سوريا المقاومه بين فكي الكماشه اسرائيل وتواجدهم العسكري في العراق بينما حقيقة الأمر  هي خلاف ذلك إذ ان النظام حاله حال اي نظام شمولي كان فزعا من مجرد مصطلح الديمقراطيه لهذا رأيناه كم كان خائفا من استقرار ونمو هذه التجربة وبالتالي كان يخشى من تأثيرإفرازاتها على الشارع السوري لهذا استعان بالإرهاب في سبيل اسقاطها قبل ان تنضج وتؤتي اؤوكلها بالرغم من ان قوى الأرهاب التي استعان بها هذا النظام تتقاطع معه ايدولوجيا في كثير من المواقف بل و تتقاطع معه حتى طائفيا .
قصور نظر النظام السوري في تعامله مع التجربة العراقيه الجديده جعل العراقيين يدفعون انهارا من الدماء سفحت على ثرى العراق كما ان قبضة الشيعة التي كانت ممسكة بالمشهد السياسي بقوة خصوصا في الأيام الأولى التي اعقبت الأطاحة بالنظام السابق رأينا كيف بدأ يظهر عليها الوهن والضعف بسبب عدم الأستقرار الأمني الذي عرقل البناء والتنميه وسهل للفساد فرصة الظهور هو ورجاله بينما نرى الآن من الشيعة موقفا مساندا للنظام السوري وهو في محنته في مواجهة تسونامي الأرهاب العالمي الذي يهاجم سوريا من كل الأتجاهات عكس ماكان يتوقعه النظام منهم ولو على اساس العين بالعين.. هذا لم يحصل لأن الشيعة لم يصابوا بالحول السياسي الذي اصاب قيادة النظام السوري لأنهم رأوا في القوى التي تسعى لأسقاطه هي ذاتها التي اذاقت ولازالت تذيق العراقيين وخصوصا الشيعة منهم الموت الزؤام ليس على مدار السنة والأشهر والأيام بل وعلى مدار الساعه .
من المفارقات الكبرى في الموقف العراقي تجاه النظام السوري هي في تصدى بعض السياسين العراقيين لرئيس الوزراء نوري المالكي عندما حمل هذا النظام المسؤولية الكاملة عن كل الأعمال الأرهابيه التي راح ضحيتها عشرات الأف العراقيين وعندما انقلب الحال واصبح هذا النظام هو من يعاني مايعاني من ويلات قوى الأرهاب غيرت القيادة العراقيه موقفها من سوريا ليكون موقفها محايدا ولو بشكله المعلن بينما نفس الذين وقفوا ضد المالكي في موقفه المناويء للنظام السوري في حينها نراهم الان يساندون مابات يطلق عليها  تسمية الثورة السوريه .
مايحصل في سوريا بغض النظر عن  اي تفاصيل هو جزء من الصراع العربي الأسرائيلي فبعد الخروج الأسرائيلي المذل من الجنوب اللبناني عام 2000 على يدي المقاومة اللبنانيه المتمثلة بمقاتلي حزب الله كان على اسرائيل ان ترد على هذه الهزيمه فكان ترتيب مصرع الحريري الذي تم تحميل النظام السوري مسؤولية مقتله وبسبب نجاح التحالف المعادي لسوريا في تسويق هذا الفريه اضطرت القوات السوريه للخروج من لبنان والتي كانت تعمل تحت مسمى قوات الردع العربيه .. خرجت هذه القوات بطريقة مهينه رغم الحضور السوري المؤثر في لبنان والذي دام لأكثر من ربع قرن لكن سرعان مانجح حزب الله  في رد الصاع لأسرائيل مرة اخرى في حرب تموز 2006 حينما استدرجها لحرب ظنت انها ستكون مجرد نزهة ازاء ماكانت تتمتع به من تفوق عسكري لكن اسرائيل اضطرت الى القبول بوقف هذه الحرب بعدما وجدت  نفسها تستدرج لحرب استنزاف مفتوحة لااحد يعلم مداها ولا نتائجها وكان الدعم اللوجستي السوري الواضح في هذه المعركة قد جعل سوريا ضمن دائرة اهتمام المخططين الستراتجيين الأمريكان والأسرائيلين  .
المسؤول الأول لما حصل ويحصل لسوريا الآن هو نظامها كونه كان غير متحرز ومعتدا بنفسه حد الغرورعلى قاعدة مقولة نوري سعيد رئيس وزراء العراق الأسبق ــ دار السيد مامونه  ــ ففي لقاء صحفي مع الأسد صرح بملء فيه ان الربيع العربي الذي يضرب المنطقه لايمكن له ان يمر بسوريا وقد فات الأسد ان فيروس الأرهاب الذي سوقه للعراق عبر سوريا في يوم ما كان قد وجد الحاضنه المناسبة له في التربه السوريه وانه نما وترعرع وانه ينتظر الفرصة المناسبة للوثوب .
 لقد كشفت الأحداث الأخيرة التي وقعت في سوريا ان اجهزة النظام الحاكم خصوصا الأمنيه والأستخبارية منها كانت من الهزالة والهشاشه عكس ما كان النظام  يسوق فيه اقتدار وتمكن اجهزته هذه سواء للشارع السوري او الرأي العام العربي اوالعالمي ورأينا كيف ان قراءة هذه الأجهزة كم كانت خاطئ وانها لاتملك اي امكانيات للتنبوء للمستقبل او معالجات للواقع ورأينا كيف ان النظام كان في طريقه للسقوط ربما اسرع بكثير من سقوط نظام القذافي لولا حزمة التحالفات الدولية والأقليميه التي يقيمها والتي حالت بينه وبين السقوط .
تسويق ما يحصل الآن  في سوريا على انه ثورة ضد النظام الشمولي لغرض اقامة حكم الشعب اصبح امرا صعب التسويق خصوصا مع هذا الحشد الهائل من المقاتلين الموردين الى سوريا من كل اصقاع الأرض اضافة الى ان اهم القوى الداعمه والمساهمة في مشروع اسقاط نظام بشار الأسد هي انظمة عائليه استبداديه ليس لها اي علاقة لكل مايمت للديمقراطية والحرية بصله والذي ساهم في زيادة تعثر تسويق هذه الفريه هو حجم الهزائم الثقيلة التي بدأت تمنى بها ما يسمى بقوى الثوار ولرفع معنويات هؤلاء المقاتلين تم اللجوء للتصعيد الطائفي لتصوير مايحصل على انه صراع مابين السنة والشيعة  خصوصا بعد تدخل قوات حزب الله اللبناني خصوصا في معركة القصير والتي قلبت الطاولة على التحالف المناويء للنظام السوري .
وأقرب ساحة تتأثر بهذا التصعيد هي  الساحة العراقيه التي هي اصلا ارض خصبة وجاهزه لإستقبال هذا الخطاب الطائفي حيث ان السنة في العراق  وجدوا انفسهم بين ليلة وضحاها انهم مهمشون ومنبذون بالرغم من كون مايقرب من نصف وزراء الحكومة العراقيه  هم من ابناء هذا الطائفه اضافة الى رئاستهم لمجلس النواب الذي يعد السلطة التشريعيه المطلقة في الدولة العراقيه الجديده كما ان مايزيد على ربع اعضاء مجلس النواب هم من ابناء هذه الطائفه اضافة الى حضورهم الفعال في قوات الجيش والشرطة وبقية الأجهزة الأمنيه هذا اذا اقتصرنا تسيمة السنة على المكون العربي اما اذا اضيف الكرد فإن الوجود السني في قيادات الدولة سيكون اكبر من الوجود الشيعي .
  وهذه المندبة التي تقيمها بعض القيادات السنية العربيه هي سياسية الأهداف رغم تعكزها على الوتر الطائفي  ومثل هذا التعكز يدفع ثمنه الأخوة في الوطن من الضفه الأخرى ليس نصرة للسنة واهلها بل الغرض منه وأد التجربة العراقيه لكي لايبقى لها باقيه بناء على رغبة الأشقاء الخليجين الذين يعدون انفسهم القوامون على المكون السني العراقي بما انفقوا.
ان عدم نضج ملامح الهوية الوطنيه للإمة العراقيه بقي السنة سماعون للنداءات التي تأتي من الجوار العربي السني مثلما الشيعة يتأثرون بالخطاب القادم من ايران او من بعض القيادات الشيعيه في المنطقة  بالرغم من نجاح المرجعية الدينيه الشيعيه في النجف ايما نجاح  في تهدئة مزاج الشارع الشيعي خوفا من اي ردة فعل تنطلق منه ردا على ما يتعرض له الجمهور الشيعي الذي دفع سابقا ولازال يدفع اليوم و على مدار الساعة عشرات الضحايا نتيجة العمليات الأرهابيه التي تسهدفه وبالرغم من المكانة الكبيره الذي تحتلها المرجعيه الشيعيه في وجدان الجمهورالشيعي لكن خطابها المعتدل لن يكون صالحا وفعالا ومؤثرا في جمهورها طوال الوقت مادامت عجلة الأرهاب التي تسهدف هذا الجمهور بقيت دائرة بنفس الوتيرة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات