23 ديسمبر، 2024 12:20 ص

بس التكتك ظل يقاتل ويه حسين

بس التكتك ظل يقاتل ويه حسين

صاحب قصيدة (بس التكتك ظل يقاتل ويه حسين) .. الشاعر الشعبي محمد الشامي: للقلم التشريني صوتٌ أعلى من أزيز الرصاص وأقوى من الدخانيات
حاوره: قصي صبحي القيسي

عندما يختلط دم الشهيد بدموع الأم في شوارع بغداد مع أول زخة مطر تشرينية، تولد الكلمة من هذا المزيج القدسي لتنمو سريعاً وتغدو بحجم الثورة، والكلمة هنا هي روحٌ يبثها شعراء الساحات قبل شعراء المهرجانات في نفوس المنتفضين في وجه الاستبداد، الكلمة هي إرادة التغيير، وحبُ الحياة، وصناعة الجمال بين أنقاض وطنٍ أحرقته الحروب وحاول الفاسدون بيعه في سوق الخردة، لكنه وطن لايموت، بل ينبض بحياةٍ تتدفق في شرايينه قادمةً من تشرين العطاء .

هكذا يرى الشاعر الشعبي محمد غازي الشامي ميلاد الكلمة، فإما أن تكون بحجم الثورة، أو لاتولد أساساً .

وشاعرنا وُلدَ في 20 سبتمبر سنة 1994 في شارع فلسطين بالعاصمة بغداد، ثم انتقل مع أسرته إلى محافظة كربلاء لاحقاً وأكمل دراسته الاعدادية في إحدى مدراسها، وعاد إلى بغداد فيما بعد ليدرس هندسة الحاسبات، وبعد تخرجه وحصوله على شهادة البكالوريوس غادر العراق ليدرس الماجستير في الخارج .

ورغم أنه نظم الشعر الشعبي في سن مبكرة وشارك في العديد من المهرجانات والأمسيات الشعرية، إلا أنه نال شهرته مع انطلاقة ثورة تشرين، إذ تواجد منذ اليوم الأول للثورة في ساحة التحرير، يقول :

خلّص عمره يبجي ويحجي بسم الدين..

وكال اتمنى لو ينعاد الطف مرتين..

ومن انعادت وتظاهرنا

كلهم شردوا

بس التكتك ظل يقاتل ويه حسين..

بيهم جم عباس الثاروا

والنسوان التشبه زينب

وصلن لاعلام بكل عفة

منظر حيل يبجّي العين..

وكل هذا ونحروا عبد الله

عطشان ومي دجلة بصفه

وصاحوا انتم مندسين..

تسقط كل قصور الحكموا

ويظل شامخ بيت الطين..

ومنّ اليوم الموت ايعدلك..

راح انطبلك مثل القبلك..

كلهم طلعوا مسحولين..

ثار الطف اليوم مربّع

ومنكم ناخذ ثار حسين..

– حدثنا عن بداياتك ومتى بدأت بنظم الشعر الشعبي، وبمن تأثرت من الشعراء؟

في سنة 2010 كانت بداياتي بالشعر الشعبي، وكأي شاعر لابد أن تكون البداية عبارة عن (شهقات شاعر) تمهد الطريق نحو القصيدة الناضجة، وفي سنة 2011 نشرتُ قصائد أقرب إلى النضج من حيث الصور الشعرية والعناية بالوزن، وأنا عكس بقية الشعراء لم اتأثر بشاعر محدد، لكني اتأثر بالقصائد، حتى لو كانت القصيدة لشاعر شاب مبتدئ، فالقصيدة من وجهة نظري هي ميلاد تجربة إنسانية تلتقي فيها العاطفة بالفكر، الوعي باللاوعي.

– كيف تنظر إلى التجديد في الصورة الشعرية لدى الشعراء الشعبيين الشباب، وهل نجحوا في تقديم فن جديد خارج عن المألوف؟

أرى أن شعراءنا الشباب قد قطعوا شوطاً بعيداً في مجال الحداثة والابتكار، لم نعد نلمس تكراراً في الصورة الشعرية، على عكس السنوات التي تلت ٢٠٠٣ والتي شهدت في بعض الأحيان اجتراراً للصور المستهلكة المستنسخة عن شعر السبعينيات، والشعراء الشباب اليوم يقدمون مفردات جديدة وسهلة للمتلقي، حتى اصبح الشعر الشعبي بشكل عام ينافس الشعر الغنائي في الطرح، لكن الإعلام وللأسف ظلم الشعراء الشباب ولم ينصفهم، فإما أن يكونوا كلاسيكيين ويستخدمون مفردات صعبة أو يتم اتهامهم بأنهم شعراء سطحيين أو شعراء الصدفة .

-هل تعتقد أن الشعر الشعبي مهما بلغ من جمال وإتقان وجودة في النظم، سيبقى في الإطار المحلي فقط؟

قلتُها سابقاً، ان الشعر الشعبي العراقي بدأ يلاقي أصداء واسعة في خلال السنوات الأخيرة على مستوى دول الخليج العربي وحتى سوريا ولبنان وعدد من الدول العربية، أي أنه لم يعد محلياً، هذا فيما يخص الشعر الشعبي العراقي، وبشكل عام، فإن مسألة انتشار الشعر الشعبي خارج البيئة المتحدثة باللهجة المحلية مرهون بمدى فهم المتلقي الذي يعيش خلف الحدود لهذه اللهجة، فعلى سبيل المثال، نجد أن الكثير من الشعراء الشعبيين المصريين نالوا شهرة واسعة خارج مصر لكون اللهجة المصرية مفهومة من قبل اغلب الشعوب العربية .

– أدب ثورة تشرين، هل كان بالمستوى الذي يليق بحجم التضحيات والعطاء الذي قدمته هذه الثورة الخالدة؟

نعم، كانت القصائد التي صدحت بها حناجر شعرائنا ثورية ذات حس وطني عميق وتحمل هموم الشاب العراقي الذي نزل للشارع مطالباً بحقه، الشاب الباحث عن وطن، لقد أصبح لدينا اليوم تراث شعري رائع يضم قصائد ثورة تشرين الخالدة، هذه القصائد تؤرخ لحقبة الثورة بكل تفاصيلها، وساهمت بنقل صور تضحيات الثوار في ساحات الاعتصام ومعاناتهم وأحلامهم وطموحاتهم، قصائد تشرين لاتختلف عن الرسوم الملونة التي زينت جدران نفق التحرير، لقد كان للقلم التشريني صوت أعلى من أزيز الرصاص وأقوى من الدخانيات، أقول:

باجر يبيّن كلمن يحب حسين

وفاهم قضيته بفكره مو باحساسه..

باجر شكم (يا ليتنا كنا وياك)

جوه المخدة وفنّه طلع راسه..

هذا الوطن من يعطش ابدم ارويه

لو موت باجر، لو ندوس الساسه..

– انت كشاعر شعبي عراقي، هل قدمت لك ثورة تشرين شهرة بحجم الشعر الذي قدمته لها؟

منذ بداياتي بالشعر الشعبي والى يومنا هذا، شهد العراق الكثير من الازمات والأحداث التي تفاعلتُ معها كما تفاعل معها بقية الشعراء، أما ثورة تشرين، فباعتبارها تشكل انعطافة فكرية بالنسبة للجيل الحالي تعد هي الحدث الأهم، فالثورة ليست فقط نزولاً إلى الشوارع والبدء بالاعتصامات ونصب السرادق في الساحات، الثورة (وأعني هنا ثورة تشرين) هي خروج عن الطريقة النمطية في التفكير، هي استنهاض الهمم من خلال تنبيه الوعي الإنساني وحثه على إدراك حقيقة الوضع المشوه الذي نعيشه منذ سنين طويلة، ثورة تشرين قدمت لي ولكل عراقي حر طريقة صحيحة في التفكير، قدمت لي نمطاً جديداً للحياة، ورؤية صحيحة لتحليل واقعنا المأساوي، قدمت لي أملاً لاينطفئ، وبالتالي فإن كل ما نقدمه نحن الشعراء والفنانون للثورة لايعادل الإرث الفكري العظيم الذي قدمته لنا،

باجر يجروح انتن ثوري

آنا الما رايد دستوري

باجر ندبج فوك السلطه

وياكاع ترابج كافوري

– هل تعتقد أن شعراء السبعينات مهدوا الطريق لكم انتم شعراء الجيل الجديد نحو الابداع والابتكار؟ وهل هناك اختلاف كبير بين مدرستكم الشعرية ومدرسة السبعينات من حيث اسلوب وشكل القصيدة ومفرداتها؟

بالتأكيد شعراء السبعينيات لهم الدور الاكبر في استمرار نجاح القصيدة الشعبية، فأغلب شعراء اليوم تأثروا بالأجيال السابقة امثال الراحل عريان السيد خلف وكاظم اسماعيل كاطع ومظفر النواب وغيرهم من الأسماء الكبيرة، كانوا بحق مدرسة عظيمة من الصعب أن تتكرر، واليوم نجد تجديداً واضحاً في شكل القصيدة وصورها ومفرداتها، وهذا شيء جيد، فاجترار الأساليب ذاتها لن يسهم في تقديم قصيدة تحمل روحاً جديدة وعبقاً غير مألوف، أنا مع الحداثة والتجديد، رغم أنه في وقتنا الحالي لايمكن أن تلتقي جميع الخصائص الفنية في مدرسة شعرية واحدة .

– تجربة الاغتراب التي عشتها وأنت تدرس الماجستير بعيداً عن الوطن، هل أضافت شيئا إلى الشاعر محمد الشامي؟

الاغتراب يخلق في نفس الإنسان خليطاً من المشاعر، بين الحزن والحنين للوطن والأهل والأصدقاء، حنين حتى إلى أبسط الأشياء في الوطن، هذه التجربة أضافت لي الكثير، جعلتني أؤمن بأن الوطن هو النعمة التي قد لانعرف قيمتها إلا عندما نفقدها، أقول عن الوطن:

أصعب لحظاتي بهالدنيا

بالليل و ماكو احد يمي..

من تحتاج انسان بغربة

يجهل لغتي ويعرف همي..

صعبة بنصهم تبقى انسان

آنه العاف اثنين اوطان

آنه العايف وطني و أمي..

د\