سمعت البارحة بخبر وفاة أم أحد زملائنا في الشركة وهو مهندس قدير بدرجة رئيس مهندسين أقدم وعلى أبواب الأحالة على التقاعد. وقد أتصل بي زميل لي ليبلغني ذلك الخبر الأليم˛ لكثرة أتصالي بزميلي صاحب المصاب على أمور العمل وقد أتفقنا على الذهاب إلى مجلس الفاتحة المقام في جامع الملا حويش في حي الجامعة. وعند لقائي قبل ساعتين من موعد نهاية الدوام الرسمي جاء أتصال هاتفي لزميلي حسن وقد تغير لون وجهه وبدا يميل نحو الأصفرار وبدأ يوحي بأن كارثة حصلت أو على وشك الحصول.
فسألته: ما الخبر؟ ما المشكلة؟ فقال للأسف أخذوا السيارة. فقالت له من أخذ السيارة: قال مدير قسم العجلات والنقل. فقلت له كيف حدث ذلك وأعمال شعبتك التي تحتاج إلى مراجعات خارجية لا تنتهي. فقال: كانت البداية أن مسؤول شعبة العجلات والنقل قام بأعداد مطالعة˛ لغرض تشكيل لجنة تتولى النظر بسيارات المؤسسة˛ وأستحصل موافقة بسحب السيارة. ولكن مهندس حسن ظل يماطل في الموضوع˛ وبعد أن بدأ الكثير ممن شملهم قرار اللجنة بجلب أستثنائية˛ وبعد لقاء حسن للمدير العام وشرح أهمية وجود السيارة لغرض أنجاز أعمال الشعبة˛ ووجه بتعديل جدول السيارات المشمولة بالسحب.
قام مدير العجلات والنقل بحركة ثانية تتميز بالحيلة والدهاء الخبث˛ وهي الذهاب إلى معاون المدير العام الذي كان يحتاج قسمه إلى سيارة أضافية فأعطاء رقم ونوع سيارتنا ˛وقدمها للسيد المدير العام الذي من المستحيل أن يتذكر رقم ونوع السيارة التي تعود لشعبة مهندس حسن ˛وعليه فقد وافق المدير العام. فما كان من حسن إلى الذهاب إلى معاون المدير العام شرح الموضوع له˛ فبادر المعاون إلى تركها. فقلت له: جيد ماذا بعد؟
فقال: عندما لم تنفع تلك الحيلة قام بطبخ مدير قسم العجلات بطبخ طبخة جديدة˛ وهي تسليمها إلى مكتب الوزي.ر كما قال لي أن السائق قد قام قبل يوم بشراء أطارات جديد˛ والذي سوف يتسلم السيارة يرفض أن تؤخذ تلك الأطارات˛ على الرغم من توسلاتنا له˛ حيث أن السائق أشترى تلك الأطارات بعد أن أستدان ثمنها˛ وأن مرتبه متوقف لحين تسليم السيارة بل أنه قالي والكلام لحسن «يمعود بس البانزين ترا خير من الله». فقال حسن وهو مليء بالأحباط هل الوقود الذي يصرف لسيارات الدولة يستخدم لأنجاز أعمال˛ دوائر الدولة أم يتم بيعه وأخذ ثمنه؟ وأذا كان الموظف الذي يعمل في مكتب الوزير وهو جهة من المفترض أنه تعمل على مراقبة أداء عمل المؤسسة˛ يفكر بتلك العقلية الي تنم عن أستغلال موارد الدولة للمصلحة الخاصة˛؟ فكيف يمكن النهوض بواقع البلد؟
وأيقنت بعد تلك الحادثة˛ أن بقاء تلك المكاتب وغيرها من الحلقات غير المنتجة˛ والتي تشكيل بيروقراطية سرطانية تفتك بأقتصاد البلد ˛من خلال أستنزاف موارده بحمايات ونثريات ومصاريف لا تؤدي أي نفع لمؤسسات الدولة. بل تعمل على تعطيل أجراءات الدولة˛ وأثراء العاملين بتلك الحلقات حيث صرح النائب عبد الحسين عبطان لـ ̋المدى̏ أن ميزانية عام 2012 خصصت 14 تريليون دينار (14 مليار دولار) كنفقات نثرية للحكومة، موضحا أنها تصرف على أشياء كمالية وغير ضرورية ، مثل الضيافة وشراء وصيانة الأثاث والمباني، فضلا عن الهواتف النقالة والبنزين، واصفا الأمر بأنه لم يعد يطاق “الكثير من دول العالم تتجه الى التقشف في مثل هذه النفقات ، وتعمد إلى أن يتحمل الموظف مصاريف الوقود والهواتف النقالة”.˛ كما أن عبطان لفت النظر أن اللجنة المالية في البرلمان قدمت مشروعا لتخفيض نثريات الحكومة ، مبيناً ” لو استطعنا الحصول على 5 تريليونات دينار لاستطعنا أن ندعم مفردات البطاقة التموينية التي تحتاج إلى 2 تريليون لسد العجز فيها ، ورفع رواتب المتقاعدين التي تحتاج إلى 300 مليار دينار ، فضلا عن دعم الفلاحين وزيادة فرص العمل التي حددت هذا العام بـ 58 ألف درجة وظيفية حسب موازنة 2012 بينما مع تخفيض النثريات يمكن الحصول على عشرات الآلاف من الدرجات الوظيفية الجديدة”. كما ترغب لجنة المال بتوجيه مبالغ التخفيض إلى شبكة الرعاية الاجتماعية التي تجزم بان مبلغ الخمسين ألف دينار لم يعد كافيا ، بالإضافة الى دعم المعوقين الذين لا تعرف أعدادهم الحقيقية. كما أكدت النائب عن كتلة سائرون حالياً والأحرار سابقاَ السيدة ماجدة التميمي في معرض حديثها حينذاك عن موازنة 2012 أن بعض الوزراء يسحبون من الموازنة العامة مبلغ 100 مليون تنفق تحت بند النثريات، مشددة على “الوزير ينفق على سفراته الخاصة وطعامه وطعام أهله وأقربائه من الموازنة الحكومية”. وتوضح التميمي “إنهم – الوزراء ومدراء عموميين- يجلبون وصولات مكتوب فيها المصروفات خلال فترة معينة، ويحشونها بكل ما يريدون …أنها نافذة للسرقةوعليه يحب التفكير ملياً بألغائها˛ ولكن للأسف لم يتم ذلك إلا من خلال خصخصة الشركات والمؤسسات.