18 ديسمبر، 2024 11:20 م

بساطيل عراقية(1)

بساطيل عراقية(1)

الوحدة الأولى / سرد التأريخ شعريًا
محمد عبد حسن
“هل أنا….
مؤرخ اختارته قصيدة
اليونان في الإسكندرية؟” ص99-100
هذا التساؤل الذي يضعه الشاعر على لسان كافافي؛ هو أيضًا تساؤل القارئ.. يوجهه إلى الشاعر، مستبدلًا (أنا) بـ(أنت)، منذ صفحات الكتاب الأولى. وكأن الشاعر، وهو يطرحه ويجيب عنه في صفحات الكتاب الأخيرة، يسرّ إلى القارئ؛ بعد أنْ أن أخذ بتلابيبه منذ (ثريا) نصوصه التي تأتي مغايرة عن المألوف:
“لستُ روائيًا
ولا مسرحيًّا
ولكن مَنْ يُقنع هؤلاء المزّاحمين داخلي
: يرون
التأريخ مشحونًا
في قصيدتي!!”.
وعليه يكون ما كتبه الشاعر مقداد مسعود في كتابه (بساطيل عراقية) قصائد؛ ولتكون، بالتالي، كلمة (نصوص) التي جُنِّس تحت مظلتها الكتاب قد وضعتْ لدفع شبهة قارئ لا يعرف فلسفة المؤلف وفهمه للنص الشعري. وكلّ هذا، طبعا، بحدود ما أراه.أخذ الكتاب عنوان وحدته الأولى، فيما جاءت وحدتيه الأخريين بعنواني (جغرافية المكان) وَ(قسطنطين كافافي بتوقيت أحمد عرابي).في وحدة الكتاب الأولى (بساطيل عراقية) يقدم الشاعر قراءته للمفاصل المهمة في تاريخ العراق المعاصر متتبعًا (البسطال)، بما يمثله من سلطة العسكر التعسفية، في ارتداءه وخلعه دون أنْ ينسى الإشارة إلى شخصية العسكر القلقة.. البعيدة عن مقوّمات إدارة سلطة فُتحتْ نوافذها، في أيامها الأولى، لـ”هواء لم يُستعمل”:
“لكن عقل بكر صدقي سرعان ما انتزع بسطال كمال
أتاتورك من قدميه
وهو يرى عراقًا استعاد التنفس الطبيعي في هواء لم
يُستعمل” ص12.
أو كما في ص15:
“اشتاقت قدما بكر صدقي إلى بسطاله….
تأمل جلدة البسطال المتيبسة فأنّبه شرفه العسكري
لبس البسطال وتقدم بقدمين عسكريتين نحو الفرات
الأوسط
داس البسطال أصوات الفلاحين الثوار”.
ويستمر الشاعر.. مستعرضا كل ذلك التأريخ الدموي لحكم العسكر منذ:
“عصرًا
الساعة الخامسة 21/ تشرين الأول/ 1936: قبل ريادة
الشعر الحديث.. حاز العراق ريادة سلطة العسكر” ص9.
وحتى العصر الحديث مرورا بـ(بساطيل قيادة حركة مايس).. (شباط 1963).. وغيرها؛ يستمر الشاعر برصد حركة البسطال. ففي 3/3/1991.. الذي وقّع وقف إطلاق النار، في حرب الخليج الثانية، بسطال وليس يد:
“3/3/1991
.
.
.
البسطالان في خيمة صفوان
يوقعان وقف إطلاق النار” ص53
لتتوجه بعدها:
“بساطيل الحرس الجمهوري
بساطيل الحرس الخاص
بساطيل بلا أسماء
وتحقق انتصاراتها على الثورة المغدورة” ص53-54.
ربما يكون بسطال (عبد الكريم قاسم) وحده الذي قدم نموذجا مغايرًا:
“يخطو عبد الكريم خطوات واسعة
ببسطاله
يخطو نحو الرحمة” ص32-33.
والشاعر، وإن كان أبدى تعاطفا واضحا معه، يعاتبه عتابا رقيقا ملؤه الحزن وكأنه يشكو إليه دون أن ينسى رثاءه:
“………………………….الزعيم
الركن عبد الكريم قاسم
ممددا على شاشة تلفزيون بغداد
بملابسه العسكرية
بجسده الصائم
المضرّج…
المقوّس..
رأسه يتوسد الأرض
كأنه يحدقها
ونعلا بسطاله بوجه الكاميرا..
هل رأى الزعيم
:رعاة يرجمون العراق
بالبساطيل…..
البساطيل…..
البساطيل…..
من أيلول إيران إلى آذار الكويت؟
هل رأى شفلات.. تدثر
بساطيل
حقائب
يطغات
بتراب البساطيل؟
هل رأى أنجاسا يختنون ضفائر الموصل؟
وينجسون عنق سامراء الحجري الشاهق
هل رأى الزعيم
:المئات
المئات
المئات
من أولاده تسوقهم
بضعة بساطيل من معسكرٍ
ليتكدسوا مقيدين للخلف في نهار حزيراني ضرير 2014؟!” ص36-37-38.
إن هيمنة التأريخ.. وكثرة المصادر التي اعتمدها الشاعر كمرجعية لكتابة (نصوصه) هذه؛ لم تمنعه من استخدام لغة شفيفة مؤثرة لإيصال معلومات معرفية إلى القارئ بطريقة مختلفة.
*المقالة منشورة في – صحيفة ،،طريق الشعب – 30/ 1/ 2017
*بساطيل عراقية – نصوص – مقداد مسعود – دار ضفاف –