22 نوفمبر، 2024 7:52 م
Search
Close this search box.

بزيادة الرواتب توفرون احتياجات الموازنة وليس العكس

بزيادة الرواتب توفرون احتياجات الموازنة وليس العكس

قالها رئيس مجلس الوزراء وأكدها وزير المالية ، بان الرواتب في العراق تبلغ ٥٠ تريليون دينار سنويا وان تخفيض الرواتب بموجب السلم الجديد سيوفر مليار دولار للخزينة ، والغريب في هذه التصريحات إن المسؤولين لم يجدوا أمامهم كبش فداء سوى المواطن المسكين ، فسارعوا إلى سلبه بعض حقوقه الأساسية فاستقطعوا جزءا مهما من راتبه وتأخر صرف رواتب البعض من الحشد الشعبي الذي يدافع عن العراق وأوقفوا أو قللوا التخصيصات عن الخدمات من صحة وتربية وبلدية وأمن وإنشاءات وقطعوا الدعم عن الزراعة والصناعة وتركوا منتجاتنا الزراعية من التمور البالغة 750 ألف طن لهذا الموسم يذهب اغلبها إلى المزابل ، وستلحقها طبعا الخضروات والطماطة والحنطة والشعير ولم يصرفوا مستحقات المزارعين والمقاولين والدائنين للدولة ، وأوقفوا التعيينات عدا حركة الملاك التي تذهب لأعز الأعزاء ، وعطلوا القطاع الخاص حتى وصل مستوى البطالة والفقر حدا لا يطاق وانتشرت الجريمة والخطف في كل مكان ، فلماذا كل هذا ؟؟؟ هل إن الوضع المالي سيّء ولا يمكن إصلاحه من دون هذه الإجراءات أم إن وراء الموضوع غايات أخرى ؟! .

المشكلة الحقيقية إن كل الاهتمامات والحلول تذهب صوب النفط من خلال زيادة حجم الصادرات النفطية وانتظار عودة الأسعار للارتفاع ، والجميع يعلم إن بلدنا يمتلك العديد من الثروات التي يمكن إن نتحول من خلالها إلى اقتصاد غير ريعي ، ورغم ذلك فإن العراق يبيع نفطا بمبلغ ٦٠ مليار دولار سنويا في ظل الانخفاض الحالي لأسعار النفط ، وتصرف من هذا الرقم ١٢مليار كنفقات للشركات المنتجة للنفط بموجب جولات التراخيص المشبوهة ، وتصرف على احتياجات الدولة الأساسية والتبذيرية ١٣ مليار فالمتبقي لديها ٣٥ مليار دولار ، وهي كفيلة بجعل حياة العراقيين أفضل بكثير من الدول التي لا تحصل على مثل هذا الإيرادات ، فلماذا هذا البكاء والعويل والصراخ بصوت مرتفع بان الدولة مفلسة ؟ طبعا الجواب الذي يتردد هو بسبب الفساد ، فالفاسدون ومن يقف ورائهم أدمنوا الحكومة على بيع الدولار بسعر رخيص هو ١١٦٦ دينار لكل لدولار بينما يقدر المختصون قيمته الفعلية بأضعاف هذا الرقم .

حسنا إذا لم تكن الحكومة العراقية قادرة على مواجهة الفاسدين مواجهة حاسمة ، فإنها على الأقل تستطيع أن تقلل من سرقاتهم بإجراء إداري بسيط ولا يحتاج إلى تشريع ولن يستطيع الفاسدون مواجهته إطلاقا ، هذا الإجراء هو تغيير سعر صرف الدولار إلى ٢٠٠٠ دينار ، وهذا الإجراء سيوفر للحكومة وبشكل فوري أكثر من ٥٠ تريليون دينار من خلال إعادة احتساب ما تبقى لدى البنك المركزي من احتياطي الدولار وسوف تضاف لها ١٢٠ تريليون أخرى من إيرادات النفط لعام ٢٠١٦ وسيكون لدى الحكومة ١٧٠ تريليون على الأقل تستطيع صرف كل احتياجات الموازنة ويبقى لديها ٥٠ تريليون زيادة ، فماذا تفعل الحكومة بالزيادة ؟ .

الرواتب الحالية ٥٠ تريليون وتعادل ٤٣ مليار دولار بسعر الصرف الحالي ، فعلى الدولة زيادتها بنسبة ٢٠٪ (مثلا ) كمخصصات غلاء معيشة ( مقطوعة أو نسبة) فتصبح الرواتب ٦٠ تريليون دينار وهي تعادل ٣٠ مليار دولار بسعر الصرف الجديد ، أي إن الدولة قد وفرت ١٣ مليار دولار بزيادة الرواتب بدلا من طريقتها الهادفة لتخفيض الرواتب التي توفر مليار دولار فقط .

وتقوم الحكومة بتوزيع مخصصات غلاء معيشة نقدية على المواطنين من غير الموظفين بموجب البطاقة التموينية ولتكون ١٠ تريليون دينار أخرى ، وسوف يتبقى للحكومة زيادة أكثر من ٣٠ تريليون دينار تستطيع من خلالها تحسين الخدمات وتسديد استحقاقات الناس ودعم الزراعة والصناعة والسكن ، بل وتستطيع الحكومة أن تخفف الضرائب والرسوم المباشرة على العراقيين في الداخل لكي يتحسن الوضع الاقتصادي والمعاشي بشكل عام وتزداد القدرات الشرائية لغالبية الموطنين .

المتضرر الوحيد من هذا الإجراء هم الذين يشترون الدولار الرخيص لغرض تهريبه خارج العراق وهم سوف يخسرون ٤٠٪ من قيمة ما يسرقوه ولكنهم مع ذلك سوف تتبقى لهم ٦٠٪ نعتقد إنها قادرة على إطفاء جزء من جشعهم بانتظار أن تمتلك الحكومة القدرة على المحاسبة الحقيقية ، وهؤلاء سوف لن يستطيعوا الوقوف ضد قرار تغيير سعر الصرف إلا من خلال الضجيج الإعلامي ، ولكنه سوف يواجه ردا عنيفا من ملايين المواطنين الذين سوف تزداد رواتبهم ومدخولاتهم وفرص العمل أمامهم وتتحسن الخدمات المقدمة لهم ، ومن يقرأ هذه السطور ربما يعتقد إن هذا الحل سيرفع الأسعار ويزيد التضخم ، ولهم نقول إن الاعتماد على الاستيراد هو الذي يتيح المجال لاحتكار الأسعار ، فبعد انخفاض أسعار النفط انخفضت أسعار السلع عالميا بشكل ملحوظ ولكن أسواقنا لم تشهد انخفاضا بل العكس ، وهو ما يعني إن نمو الإنتاج المحلي وتنامي قدرات مؤسسات الدولة في الاستيراد ، سينتج موقفا أقوى بخصوص العرض وآليات الأسعار في أسواقنا المحلية .

نحن نعرف تماما إن الحل المثالي لوضع العراق هو إيقاف مزاد العملة نهائيا ومنع الحكومة من التدخل بسعر صرف الدولار وترك ذلك السعر لقوى السوق ، فالمصدرين يجلبون العملة الصعبة للبلد حيث يشتريها المستوردون ومهربو الدولار وتبقى دولارات النفط لتغطية الاحتياجات الأساسية للبلد ولتكوين احتياطي كبير وليس لشراء نستلة أو مياه معدنية أو عصائر أو سلع بسيطة يمكن إنتاجها في العراق فيستفيد الاقتصاد المحلي وتتوفر فرص العمل ، ومع معرفتنا بان هذا الحل يعرفه المختصون بالإدارة المالية جميعا ولكنهم لم يقدموا على تطبيقه أو عرضه للمناقشة لأسباب عديدة يضيق المجال هنا لعرضها بشكل تفصيلي ، لذا نقترح هذا الحل والذي يمكن تطبيقه بسرعة ومن دون خوف إذا كان المعنيين من أصحاب القرار راغبين باعتماد حلول حقيقية لاسيما وان الحكومة أعلنت عن خطوات عملية لتفعيل ودعم القطاع الخاص ( زراعة ، صناعة ، سياحة ) .

دولة رئيس مجلس الوزراء ، نود إعلام سيادتكم إن زيادة الرواتب ومنح المواطنين مدخولات جديدة وتنشيط القطاعات الإنتاجية وتوفير فرص العمل وتقليص الفساد وتحسين الخدمات وحرمان فئات مزمنة من مزايا مزاد البنك المركزي بالدولار هي الإصلاحات الحقيقية ، والتي من شانها تفعيل الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الرضا ورفع درجات المواطنة والانتماء فهي الكفيلة بزيادة العرض المحلي من السلع والخدمات الذي سيوقف جشع التجار ويحول دون حدوث انفجار في الأسعار ، فحين يتوفر المنتج المحلي الذي ينافس المستورد من الخارج سيقل الاحتكار ويجعل التجار يقبلون بالحدود المعقولة من الأرباح كما إن الأسواق ستفرز التجار الحقيقيون بعد عزل المضاربين بالدولار ، وهذا كله تستطيع الحكومة تحقيقه بضربة واحدة وبشكل فوري من خلال زيادة سعر صرف الدولار إلى ٢٠٠٠ دينار ، فهل تضرب هذه الضربة الحديدية أم نبقى نتفرج على الأداء الضعيف والرتيب للحكومة (المحاصصية ) والآراء التي يسديها المستشارون ؟ نحن بالانتظار .

أحدث المقالات