18 ديسمبر، 2024 8:11 م

منذ الأزل، ويده الحانية تمسح الهم عن وجوه أبنائه، وتكفكف الدمع عن مآقيهم، تغطيهم فتمنحهم الدفء، وتمنع عنهم لهيب حرارة الصيف، ينصت الى دقات قلوبهم، فيستشعر الأذى قبل وقوعه، فيجتهد بدفع الضّر عن فلذات كبده؛ هكذا هو منذ الأزل، يقول لأبنائه؛ أنا بكم عزيز كبير، وأنتم من دوني يتامى بائسون.

ويحكم أبنائي! تتصارعون على أرضي، وتقتتلون! ولا تدركون ان أية طعنة لبعضكم هي في صدري، تفري كبدي!، ويحكم تستعينون عليّ وعلى بعضكم بأصهاركم وأصحابكم!، متى تدركون ان ربحكم خسارة، ان كان على حساب بعضكم؟، وان الآخرين يتشفّون بكم، ويشمَتون لنكوص راياتكم وبيارقكم التي لم تغادر سارياتها المجد يوما.

ثوبوا الى رشدكم أبنائي، فبيتكم الكبير هو بيت الحضارة، البيت الذي تتلمذ فيه التاريخ، وسجل أروع أمجاده، وأعظم إنجازاته، بيتكم هو المدرسة التي انطلق منها الحرف الأول، في الغَبَش الأول، وعلّم الإنسانية أبجدية العلوم، والمعارف، والثقافات.

لماذا أنتم زاهدون بكل هذا الإرث، وهذا المنبع الثّر؛ زاهدون بجمال اللوحة الجميلة التي حباكم الله بها، يرسمها طيف قوس قزح الذي يلون بيوتكم وطرقاتكم وأيامكم؛ زاهدون بروعة التضاريس التي تمنحكم تميزا، وتضفي على وجوهكم جمال التنوع، فمن قمة الجبل ينحدر السفح ليغنّي بين شجر الجوز نحو هضاب تتلوّى كموجة بحر تتهادى أمام نسمة هادئة؛ زاهدون بسهول تفيض خيرا، وأهوار عشقت البردي والمجذاف؛ زاهدون بروعة رافدين غنى لهما العالم وعرسهما الكبير في شط العرب.

وأنت يا ولدي الجميل، الغافي بين الثلج واللوز، لِمَ تغير صوت الناي الجميل الذي كان يصدح فينساب في أعماقنا منه لحنا جميلا، ترقص على شجنه القلوب؟؛ لماذا تغير نسق الدبكة الجميلة التي يحتفي بها شبابنا في أفراح نوروز؟؛ لماذا آثرت العزلة، وأدرت ظهرك لأبيك وأخوانك؟

هذا أخوك، يدعوك في عيد الله، ان تسكن في حدقات عيونه، ويقول : إنزف في قلبي، ولا تدع الآخرون يرون دموعك؛ دعني أتوسّد ثناياك، وأضمِّد جراحك، فليس لنا غير بعضنا، وليس من الحكمة أن نفترق.

برّوا أباكم العراق، ولا تغيّروا خارطة الوطن الجميل