19 ديسمبر، 2024 12:02 ص

برّاني السيد الشهيد محمد الصدر ، والمؤامرات

برّاني السيد الشهيد محمد الصدر ، والمؤامرات

أستذكر برّاني السيد الشهيد محمد الصدر (أعلى الله مقامه)  الذي دائماً يذكرنا بشهيدنا الحبيب والأحداث التي رافقت مسيرة جهاده ونهضته الإصلاحية التي غيّرت مسار تاريخ العراق عموماً والتشيع خصوصاً ، ولا أريد هنا أن أتكلم عن شخصية هذا العملاق وأبعاده العرفانية والعلمية والعملية في الساحة الحوزوية وانعكاساتها الإيجابية على طبقات المجتمع  .. إنما أتكلم عن شيءٍ قد يكون خافياً عن الكثير أو أنه لا يجلب أنظارهم ، لأنه عبارة عن بناية كباقي البنايات المحيطة بحرم الأمير ( صلوات الله عليه ) ، ولكن الحقيقة ليست كذلك إطلاقاً ..

البرّاني : هو المكان الذي يتخذه الإنسان الوجيه ليكون مكاناً للإلتقاء بالناس ، ويسمى هذا المكان عند شيوخ العشائر بـ ( الديوان ) وفي العرف الحوزوي بـ ( البرّاني ) .

يُحكى إنه كان براني السيد الشهيد (قدس) عبارة عن بيت يعود لورثة من إمرأة متوفاة واختلفوا في بيعه .. فجاءتهم في الرؤيا وقالت لهم ( بيعوه لسيد محمد الصدر ) وهكذا بدأت قصة هذا البناء ( المجهول القدر ) إشتراه السيد محمد الصدر (رضوان الله عليه) من هذه العائلة في مطلع تسعينيات القرن الماضي وبدأ منه نشاطه وجهاده ضد الإنحرافات ومحاربة البدع والشبهات ابتداءاً من 1992 – 1994 من هذا المكان الصغير الحجم في العين .. الكبير القدر في قلوب المؤمنين ، حيث ظهر السيد الصدر (قدس) كعالم مجتهد ومرجع منفتح على كل طبقات المجتمع العراقي ، وكان القليل من الناس يأتون إلى هذا المكان للإلتقاء بالسيد الشهيد (قدس) حتى بدأ إسمهُ بالإشتهار وصوتهُ بالإنتشار في المجتمع كالنار في الهشيم ، وما أن دخل عام 1997 حتى صار هذا المكان يغص بالألوف من المحبين والطالبين للعلم والحقيقة ، صار باب البرّاني مزدحماً بالوافدين كأنما هو مصداق لقوله تعالى { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } وقد تزامن هذا مع إعلانه (قدس) لأعلميته التي أحدثت ضجة في الوسط الحوزوي والإجتماعي مما لفت الأنظار إليه من محبين ومبغضين شانئين ..

ومن هنا تبدأ قصة المؤامرة :

في الحقيقة لم يرق لكثير من الرموز الحوزوية المتصدية للزعامات الدينية في النجف الأشرف لما قام به السيد الشهيد (رض) من حركة إصلاحية كبرى إستقطبت الكثير من أبناء المجتمع من خلال آلية إحياء صلاة الجمعة – المغيبة – التي أحياها بنهضته تلك .

إن تجمع الجماهير حول السيد الشهيد (رض) أغاض هذه الزعامات ما جعلها تحارب مشروعه الإلهي الإصلاحي – خدمة لأهوائهم ومصالحهم وخدمةً للشيطان – وكان من أبرز أساليب المحاربة ضده ( قدس) أن أفتوا بحرمة صلاة الجمعة وأنها مشروع فتنة !! ولا نستبعد أنهم حرضوا الحكومة البعثية لأجل إزالة هذا الصرح الذي يتحرك منه هذا السيد الجليل ، فقد أصدرت الحكومة الطاغوتية ( العفلقية ) أمراً بتوسيع الصحن الحيدري المطهّر لمسافة ( 60 م ) وهذه المسافة تعني هدم كل البنايات التي تقع ضمن هذه المسافة وهي تشمل البراني أكيداً !! والملفت للنظر أن هذه المسافة تقف عند براني السيد السيستاني (حفظه الله ) !! ، وسنقص تلك الحادثة لاحقاً ، والمهم أن الأمر لم ينفذ !! .

ذهب السيد الصدر شهيداً مظلوماً مرتاح الضمير – كما عبر هو (رض) –
وسقط صدام ..

وبعد مدة من سقوطه إشتعلت معركة النجف بين الصدريين والقوات المحتلة الكافرة وكان السيد مقتدى الصدر (أعزه الله ) يتخذ من البراني مكاناً لإدارة المعركة وتعبئة الجماهير ، فقد كان الأمريكان يقصفون كل مكان وبناية تضم عنصراً من جيش الإمام المهدي (ع) فما بالك بقائدهم الموجود في هذه البناية ( البراني ) ، فلماذا لم يقصفه الأمريكان ؟؟!! فهل لعجزهم عن ذلك ؟ أم إحتراماً لقدسية مدينة الأمير (عليه السلام) ؟ أم إحتراماً لمقدسات الصدريين – أقصد البراني – ؟ أم حفاظاً على محلات ومعامل دهين ( أبوعلي ) ؟! .

بعد إنهاء رحلة العلاج للمرجع الأعلى (حفظه الله ) إنتهت الحرب الغاشمة بالفشل الذريع للأمريكان وحلفائهم الذين أرادوا أن يقضوا على هذا الرجل وأتباعه إلى الأبد كما قضوا على أبيه من قبل { وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين } الآية الكريمة .

إنتهت المعركة ولم ينتهِ الحقد على أهل هذا البيت الطاهر وأقصد ( البيت الصدري ) ولازال هذا المكان يشكل هاجساً مخيفاً على الحاقدين وأحزابهم ، فتم إغلاق ( البراني ) ليغلقوا نشاط السيد مقتدى ( أعزه الله ) وأتباعه .

لم يك هذا الإغلاق رائقاً ولا مريحاً للصدريين ، فبعد إنتهاء المعركة وغلق البرّاني الشريف لأكثر من سنة تجمّع الصدريون – معتصمين أمام البراني – بحشود ضخمة مطالبين السيد مقتدى (أيده الله) بإعادة فتح البراني الذي يذكرهم بحبيبهم وشهيدهم ومربيهم المقدس ( محمد الصدر ) ، وبعد أيام من الإعتصام لبى السيد مقتدى الصدر مطلب جماهيره ، وفعلاً تم إفتتاح البراني ، وسط أهازيج وأناشيد الصدريين المعروفة ، وهذا لم يك مريحاً للحاقدين والمبغضين ، مما جعلهم يحيكون المؤامرات الإبليسية لإلغاء هذا الصرح المزعج لهم وإلى الأبد !! ، فقامت الأحزاب المهيمنة ( المتشيعة ) في النجف الأشرف بتجييش الجماهير التي لا تقل عنهم حقداً وكراهيةً لهذا الرمز الديني والوطني ، فقاموا بمظاهرات حاشدة تهدف إلى غلق البراني ، وصادف ذلك قبيل صلاة المغرب وقد تجمع الصدريون للصلاة عند الساحة أمام البرّاني ، وفسحت القوات الأمنية المجال لهؤلاء المتوحشين للإنقضاض على الصدريين أثناء صلاتهم ، فقتلوا من قتلوا وجرحوا من جرحوا ، ثم هجموا على البرّاني وأضرموا فيه النار وخلعوا أبوابه مقدمةً لهدمه ، وفي اليوم التالي ، وبعد أن فرّ المجرمون خارج النجف ، صلى الشيخ ( عبد الرزاق النداوي ) صلاة المغرب بالصدريين – النجفيين – أمام البراني وقد فاق عددهم عن السابق بكثير، وبعد أن أنهى الشيخ المذكور أعلاه صلاة المغرب إلتفت الى المصلين وخاطبهم بهذه القصة التي وعدنا بقصّها لكم :

يقول الشيخ النداوي مخاطباً الحشود الصدرية :

(( لما أمر صدام بتوسيع الصحن الشريف لمسافة 60 م وهدم ما شملته تلك المسافة التي يقع البرّاني ضمنها ، جاء أحد المشايخ إلى السيد الصدر (رض) وقال له بهذا الأمر الصدامي – والسيد يمشي منصتاً ومتكئاً على عصاه – فوثب السيد مغضباً وضرب بعصاه أرض البراني وقال كلمة لم نفهم معنها في ذلك الحين  : ( حبيبي : هذا البرّاني باقي إلى يوم القيامة ) ، والآن سقط صدام ولم يهدم البراني ، أمريكا لم تقصف البراني ، أغلقت الأحزاب ، فلم يفلحوا ، حاولوا هدمه ، فبائوا بالفشل ، وكانت الحكومة في ذلك الحين برئاسة الجعفري وقد أمرت بترميم البرّاني حتى صار شكله كما هو عليه اليوم ، وأنا أعتقد عند ظهور الإمام المهدي (عج) سيوسع صحن جده الأمير (عليه السلام) وسيضم هذا البراني إلى الصحن العلوي المطهّر ، ومعلوم أن هذا الصحن باقٍ إلى يوم القيامة ، فبراني السيد الشهيد باقٍ إلى يوم القيامة أيضاً .. وهذا معنى كلمة السيد الشهيد (رض) ، والسلام .