20 مايو، 2024 9:11 ص
Search
Close this search box.

بريكس الطموحات والتحديات

Facebook
Twitter
LinkedIn
مما لاشك فيه ان النظام العالمي الحالي وقطبيته الاحادية ،التي مثلتها اميركا وحلفها الغربي منذ نهاية الحرب الباردة اوائل تسعينيات القرن الماضي،افضت لخلل كبير في التوازنات الدولية  ،هذه القطبية الاحادية االتي بدأت عمليا بأنهيار الاتحاد السوفياتي  وقبل ذلك افول حلف وارسو و انكشاف بلدان شرقي اوربا واستسلامها امام المعسكر الغربي  ، وما تلى ذلك من تحولات جيوسياسية وازمات اقتصادية خانقة واقتتالات داخلية مريرة كانت لاميركا يد فيها، اضرت بالكثير من البلدان وفي مقدمتها البلدان النامية ،التي فرض عليها ان تكون تابعا اقتصاديا وثقافيا  وسياسيا للغرب.
مجموعة بريكس كمنظومة اقتصادية وسياسية ناشئة  تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا  هي رد فعل وتحول قادته الصين وروسيا،لمواجهة تغول الولايات المتحدة  الاميركية ، واستمرار خنقها لأي بلد يحاول الخروج من دائرة التحكم والهيمنة الغربية وقيودها ،التي تعتبر نظرية ضمان التفوق ،هدفا ستراتيجيا وتعده احد مبرراتها ودوافعها للاستمرار بنهجها الاستعلائي ، فأميركا لا ترغب بوجود منافس اقتصادي قوي يهدد سيادتها وقطبيتها الاحادية ،ومحورية دورها كشرطي متحكم يلوح بعصاه لمعاقبة الخارجين عن قوانينه الجائرة ،لأنها تدرك ان وجود منافس بهذه المواصفات سيجعله يتمدد سياسيا وامنيا وعسكريا وثقافيا على حسابها ،ما يعني تحوله لقطب ثان يجتذب بلدان الجنوب النامية ذات الثروات والموارد ، وهو ما سيدعوها للانخراط في حلف عسكري ربما، قد يعجل بمواجهة ساخنة لاتريد تكرارها على غرار الحرب الباردة ،والتي ان خاضتها فستكون مختلفة هذه المرة لان البلدان الطامحة باتت تمتلك الخبرة والتجربة وتفهم جيدا اسرار لعبة النفوذ واساليب الهيمنة .
لفهم واقع دول بريكس الخمس ذات العضوية الدائمة في هذه المجموعة ، فهي دول  نامية ذات نزعة صناعية ناهضة  واقتصاديات ضخمة عدا روسيا التي تعتبر دولة صناعية رائدة ، وقد حققت هذه البلدان طفرات في معدلات النمو خلال العقدين الماضيين ،كما ان لديها خزينا من الاحتياطيات النقدية الاجنبية والثروات الطبيعية ،يؤهلها للصمود وتشكيل تكتل قوي ولعلها وبكل هذه الامكانيات الاقتصادية والقدرات ،بما تمثل انتاجياتها ما يقرب من ربع الناتج العالمي ،ستكون تحديا مكلفا في حال قررت خوض المواجهة ،كما ان مساحتها وقدراتها البشرية والاحتياطيات التي نحن بصددها تصل لما يقرب ال40 % من احتياطيات العالم ،اذن هذه المجموعة لديها المؤهلات وان توسعت وضمت بلدانا اخرى تمتلك الموارد والقدرات ،فستكون القوة الاقتصادية الاولى وكل شيء يبدأ بالاقتصاد وينتهي به.
ان اجتماع ممثلي وزعماء دول بريكس الذي عقد مؤخرا في جنوب افريقيا ،والذي تابعته الدول الغربية بأهتمام بالغ ،يعد نقطة محورية في تحول ميزان القوى ،حيث جرى الاعلان فيه عن دعوة 6 بلدان جديدة للانضمام اليه ،بعضها يمتلك الموارد كالسعودية والامارات ( رغم عدم وضوح موقفهما ) وايران ،والبعض الاخر يمتلك الموقع الستراتيجي كأثيوبيا ،فيما تعني دعوة الارجنتين احكام قبضة بريكس على ثاني  اكبر بلد في اميركا اللاتينية ،والتي ربما يسهم انضمامها باطلاق عملة موحدة للقارة اللاتينية بتشجيع من البرازيل العضو في بريكس ،في سعي حثيث للتخلص من تبعيتها للدولار الاميركي.
قد تكون السنوات الخمس المقبلة مرحلة اختبار حقيقي لدول هذه المجموعة الناشئة ، والتي ينبغي لها خلالها  تسريع اجراءاتها والشروع  باصلاحات جوهرية وانجاز  مهمة صعبة ،تتمثل بتدويل عملاتها المحلية لان امامها مشكلات اخرى مثل حلحلة مشكلة التعاون النقدي ،وتوسيع بنك التنمية الجديد الذي اطلقته  ،كما يجب عليها لتأكيد استقلاليتها مغادرة نظام سويفت للتحويل المالي بين البلدان الاعضاء، ما يستدعي ضمانات مختلفة يرافقها تشجيع البلدان الاخرى على التعامل معها وفق هذه المعطيات ،ولعل كل ذلك يمثل رغبة مشتركة بين دول المجموعة، المتفقة اقتصاديا المتباينة الاوليات في ملفات اخرى ترتبط بأمنها وسلوكها السياسي ،وايضا قدراتها العسكرية واليات مواجهة الاخطار والتحديات المحتملة التي تتهددها.
الحقيقة الاهم التي تخيف الغرب هي ان بلدان بريكس تستطيع بناء مؤسسات مالية ضخمة توازي بقدراتها وفاعليتها البنك الدولي الذي يتبع بكل تفاصيله التوجهات الاميركية ،وبهذا الصدد فأن ما يتم ترويجه واقعي  فهذه الدول تريد تجارة غير مقيدة امريكيا ،وقد طرحت المجموعة مقترح التقدم بمرشح متفق عليه لرئاسة البنك الدولي ،او العمل منفردة والتأسيس لنظام مالي باتفاقات ثنائية بين بلدان المجموعة ،يضمن التعامل بالعملات المحلية وهو اكثر ما تخشاه اميركا ،لان نجاح هذه المجموعة سيدفعها لتطوير انظمتها ،والعمل مستقبلا لايجاد الحلول والتقارب فيما بينها ،ومحل الخشية هو ان تنطلق مؤسسات جديدة تزاحمها وتتقاسم معها اماكن النفوذ ومصادر الثروة  وربما التفكير بتوجيه ضربات ،تخرج اميركا من دائرة التأثير الدولي  مستقبلا ،كما سيخرج الدولار من حصانته الدولية ليصبح ثالث او رابع العملات المتداولة في البورصات والاسواق العالمية، وهو ما لا يمكن ان تتقبله اميركا ،وقد تلجأ للمزيد من الاجراءات العقابية ،وربما الحروب المفتعلة للاستمرار بدورها الحالي ..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب