19 ديسمبر، 2024 12:01 ص

بريطانيا العُظمى فعلاً عُظْمَى !!!

بريطانيا العُظمى فعلاً عُظْمَى !!!

توقعتُ تصويت البريطانيون على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ، رغم ان الاستطلاعات كانت تُشير الى تقدم المؤيدين للبقاء بنسبة ٥٢٪ إلا أنني كنتُ واثقاً من حدوث العكس واحداث مُفاجأة…
استغربتُ من كتابات أشخاص متخصصين بالقاعدة وداعش وآخرون متخصصين بشؤون العشائر  وآخرون متخصصون بالشأن العراقي وكيف وصفوا الخروج بانه كارثة واضعاف لبريطانيا!!!!
لا يا سادة يا كرام شعب بريطانيا يختلف عن كل شعوب الارض بشيء يتميز به عن غيره ألا وهو ( الأعتزاز بالشخصية البريطانية والتقاليد البريطانية والتاريخ البريطاني)، سيقول البعض هذا حال كل الشعوب ، أقول لا في بريطانيا لهذا نكهة ومعنى خاص!!!
بريطانيا العظمى كانت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، بريطانيا مرضت لكنها لم تمت أبداً، الشعب البريطاني لا يقبل أن يكون ذيلاً لأحد ، الشعب البريطاني يعرف ان التاج الملكي لحد الآن يحكم الكثير من بلدان العالم !!!
ألم تسمعوا بدول ( الكومنولث) ؟ ألا تعلموا ان هذه الدول ترفع علم بريطانيا العظمى وتُدين بالولاء الى المملكة المتحدة والتاج البريطاني ؟ أليست استراليا قارة ؟ ألا ترون علمها جزء من العلم البريطاني؟كما قلتُ شعب يُحِب تاريخه حد الجنون، يحب نظامه الملكي ، شعب يلتزم بتقاليده ولم يبدلها منذ مئات السنين …
عشتُ ٣ سنوات في بداية شبابي في هذا الشعب وعرفتُ الكثير عنه، شعب لا يقبل إحلال بناية حديثة محل بناية لها تاريخ ، شعب لم يُجري أي تعديل او تحديث لواحدة من أقدم الأكاديميات العسكرية في العالم ( ساندهيرست) التي قاربت القرنين من الزمن ، أقصد تحديث البناء كما تتباهى بذلك دول عربية مولعة بتهديم القديم وإنشاء بناء جديد ، اذا انكسرت بلاطة يذهبون لصناعة بلاطة من نفس نوع تلك القديمة، لم تُغير اسماء تشكيلاتها العسكرية ، ولا قيافتها العسكرية ، ولا حرس الشرف الملكي ، ولا ملابسهم ، ولا عجلتهم العسكرية الشهيرة الروڤر ( Rover)…شعب اذا صافحَ الملكة لا يُغسل يده ٣ أيام إعتزازاً بالملكة ، شعب يعتز بنفسه ويعتبر نفسه صاحب الفضل على العالم في الكثير من الميادين…شعب يعتز بمعاركه سواء في الحرب الامريكية او الحرب العالمية الاولى والثانية او حربه مع الأرجنتين …شعب يعتز بملوكه وملكاته، شعب يعتز ويتفاخر بقادته السياسيين الذين خدموا بريطانيا…شعب لا تجد واحداً منهم لا يضع وردة الشهداء على صدره في ذكرى الشهيد…شعب يحترم الآخرين ويُراعي تقاليدهم ، وهنا للطرافة وحتى يعرف الاخوة معنى التزام البريطانيين بتقاليدهم ، كنت في العشرين من العمر وشواربي أطول من المسموح في ( ساندهيرست ) ، وطلبَ مني عريف الفصيل ( كلر سارجنت لنگ Ling) أن أقص منها فرفضت ، قال غداً تفتيش ( المساعد Adjetant)، وسيعمل لك مشكلة ، وعندما شاهد إصراري ، قال لي ( إذا قال لك المساعد قَص من شاربك ، فقل له سيدي هذا تقليد وحدتي العسكرية العراقية) ، وفعلاً حدث بالضبط وقلتُ له ما علمني إياه العريف ، فرد علي المساعد ( جيدجداً انك تحترم تقاليد وحدتك العسكرية وانا أيضاً احترمها)…
الجانب السياسي ، والجانب العسكري والنفسي ربح للشعب البريطاني !!!
إنضمت بريطانيا الى الاتحاد الأوربي في لحظة استغفال من ساستها للشعب البريطاني عَلى أمل تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية ووووو، ولكن ماالذي حدث؟؟؟
ضاعت هيبة بريطانيا العظمى في وجودها ضمن مجموعة من الدول بعضها نتاج تفكك دول عظمى مثل يوغسلافيا او جزء من جمهوريات سوفيتية ، وأصبحت سياسة بريطانية ضعيفة ومُنصهرة ضمن سياسة الاتحاد الأوربي ….
خسرت بريطانيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بوجودها في الاتحاد الأوربي …
سأناقش الجانب السياسي والعسكري ( هذا تخصصي) وأترك الجانب الاقتصادي ( لأهله …
سياسياً كانت بريطانيا نداً قوياً لامريكا بل كانت امريكا ( تُنفذ خطط بريطانيا من حيث لا تدري ) ، وهنا اذكر لكم أن احد اهم مخططي ومُنظري حرب احتلال العراق الذي إعتمد عليه بوش وادارته هو ( بريطاني وهو المستشرق برنارد لويس)، وكان صوت بريطانيا عالياً في كل محفل ولكن بوجودها في الاتحاد الأوربي ضاعت هيبتها وأصبحت لا تعني شيئا لامريكا لأن امريكا أصبحت تتعامل مع الاتحاد الأوربي وبريطانيا دولة في هذا الاتحاد!!!!وبهذا فقدت قوتها السياسية في دول الخليج العربي وإفريقيا بل وحتى في بعض دول الكومنولث….
وعسكرياً انحسرت مبيعات بريطانيا من الأسلحة للدول العربية وبالأخص الدول الخليجية وتقوقع تواجدها العسكري لصالح قواعد أمريكية كبرى ثم فرنسية ثم ألمانية ، الشركات العسكرية البريطانية اختفت كُلياً …
كيف تقبل بريطانيا العظمى بهذا الموقف أو هذا الوضع ، وهي كانت صاحبة اليد الطولى؟؟ كيف وهي التي رسمت حدود الدول وخصوصاً الشرق الأوسط؟ كيف وهي التي زرعت اسرائيل في قلب العرب؟ كيف وهي التي اكتشفت النفط؟ كيف وهي التي بنت سكك الحديد والطرق والمعسكرات والقواعد ؟
نعم شعب بريطانيا شعر بانه اصبح ( ذيلاً) وانه فقد مهابته واحترامه ، كل ذلك بسبب وجوده في الاتحاد الاوربي…
البريطاني ذكي جداً ، وسياسي متميز، وله نفس طويل ، ولا يغضب أبداً ، بل يبتسم ( وإن كانت ابتسامة صفراء أحياناً )، لا يقبل ان يكون رقم ٢، 
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي باعتقادي المتواضع سَيُعيد لها هيبتها التي فقدتها وسيُعيد لها مكانتها السياسية بل والعسكرية ، وسترون في بضع سنين ان بريطانيا سترجع صاحبة الصوت العالي وإذا قالت سيتبعها الكثير…
وهذا الذي اراده الشعب البريطاني ، أراد ان تبقى بريطانيا العظمى كما كانت بريطانيا العظمى ( Great Britain)، أما تهديد إسكتلندا بالاستقلال عن بريطانيا فهذا لا يعني شيئاً لأن إنگلترا( England) ، هي الأساس وهي مركز الثقل ( Center Of Gravity )، وان الانگليز يبقون إنگليز…
هل نتعلم نحن العرب الدروس ونرتقي عن الغوغائية والفوضوية ونعتد بانفسنا وتقاليدنا وشخصيتنا وهويتنا ، وهل يمكن ان نرى مسؤولاً عربياً اسمه ( ديڤيد كاميرون) يحترم رأي شعبه ويستقيل لحظة ظهور نتيجة الإستفتاء ؟؟؟؟