هناك فرق كبير بين ما فعله بروميثيوس، وبين ما تقوم به الحكومة العراقية تجاه شعبها، لقد قام برومثيوس، كما تروي الاساطير اليونانية القديمة، بأفعال وخدمات جليلة وقيمة تجاه البشر، وقد تفانى في حبهم وشغف حباً وعشقاً بهم، وأخلص في خدمتهم، وتحمل اشد العذاب والآلام من اجل اخلاصه وخدمته وحبه للبشر، وقد عُرف في الاساطير القديمة بأنه ( سارق النار )، لأنه بعد ان قدم كل ما يستطيع تقديمه للبشر الذين كُلف بخلقهم، من خير وهناء ومحبة وعلم ومعرفة، وأراد لهم ان يكونوا بأفضل حال ودون حاجة لأي نقص او نعمة، لأنه مكلف بخلق البشر والسهر على راحتهم وخدمتهم، وقد أسرف وبالغ بروميثيوس في مداراته للبشر والسهر على تقديم افضل ما يحتاجون أليه في حياتهم، ومن حبه العميق والجنوني للبشر أنه رأى مجموعة منهم محرومون من الدفء والأمن والاستقرار، فقرر أن يحضر لهم النيران التى تدفئهم و تأنسهم بنورها، وقد تحمل عناء ذلك ومشقته، الأمر الذي جعله يذهب لجلب النار وسرقتها من الآلهة، من أجل ان يستأنس بها الانسان وأن يمارس حياته بصورة اكثر كمالاً وأستقراراً، ولكنه عوقب من قبل الآلهة أشد العقاب بأن حُكم عليه بالقيد والعذاب والسجن المؤبد في أعالي الجبال، مدى الحياة، وكان كل صباح يأتيه نسر عملاق ينهش كبده، الذى يعود لينمو من جديد في المساء ليستمر عقاب بروميثيوس الأبدى. وكان بروميثيوس يتلقى عقابه متماسكاً سعيداً، لأن البشر يعيشون حياه سعيدة، و لكونه بعيد النظر و قادر على التنبؤ، فقد كان يعلم أنه سيأتى أحد الأبطال من أبناء الآلهة و يخلصه من عذابه. و كان يرى أيضاً أنه سيأتى من نسل زيوس من يقتله و يتولى الحكم من بعده، لتكون نهاية زيوس المتجبر. وهذا ما حصل بالفعل على يد هرقل البطل، الذي أنقذ برومثيوس من سجنه وقيوده وعذاباته، منتصراً للحق والخير والفضيلة.
تلك هي وقفة برومثيوس المشرفة تاريخياً، فقد عُرف بأنه سارق النار، من أجل خدمة البشر وتقدمهم واحيائهم وتحقيق كامل راحتهم وسلامتهم، فهل وقفت الحكومة العراقية موقفاً مشرفاً وفاضلاً ونيراً تجاه شعبها العراقي، المحروم والمأزوم، وأن تكون نظرتها ثاقبة وحكيمة وأستراتيجية ورحيمة، وتقدم لشعبها كما قدم برومثيوس للبشر، من خير وأمن وأمان وعدل وأحسان ورحمة وغفران، أم أنها ستكون معاقبة للشعب ومنتقمة منه كما عاقب زيوس
برومثيوس؟ لا اعرف أي الادوار ستلعب الحكومة العراقية، دور برومثيوس العادل، صوت الحق والرحمة والشفقة، أم صوت زيوس، صوت الظلم والحقد والكراهية؟
أعتقد أن الحكومة العراقية ذات وعي ودراية ونظرة بعيدة جداً، أكبر من رؤية بروميثيوس، كما أنها لم تكن غبية كغباء زيوس لتكلف احداً بعمل بالنيابة عنها، أنها تمارس عملها بنفسها كي لا يفُتضح امرها ويكُشف سرها ويهُتك سترها، انها هنا زيوس بصورة برومثيوس، لقد سرقت النار بمعية النفط لتحرق به الشعب العراقي وتنتقم منه شر أنتقام، هذا اولاً، وثانياً سرقت قوت وميزانية وتعب الشعب العراقي وأحالته الى فقر مدقع. وثالثاً أنها لم تترك له أملاً في الخلاص من حالته ووضعه المأسوي، وتحاول قتل كل بطلٍ ومحررٍ ومنقذٍ يخرج لأنقاذ الشعب العراقي من مأساته وهمومه وازمته الخانقة القاتلة. أنها ذلك النسر الذي يأكل بأكبادنا وأرواحنا وأولادنا وحياتنا كل يوم، دون رحمة او شفقة او حرمة. فأنهم لم يبقوا لنا نفطاً الا شفطوه، ولا فلساً الا لفطوه، ولا نوراً الا أطفوه، ولا مكاناً الا حرقوه، ولا عزاً الا سرقوه، ولا فرحاً الا ادموه، أنهم احالوا حياتنا جحيماً، وبلدنا سجناً وخيماً، لا يرعون حرمة ولا ذمة.
لقد تكالب علينا يابرومثيوس كل طغاة العالم وجبابرته، ليدمروا بلدنا الجميل ويفتكوا به، وأرسلوا عليه جيشاً أبابيل، ترميه بحقارةٍ من سجيل، وجعلوا بلدي كعصف مأكول، في مهب الريح، وأنت مقيد تنظر ألينا، الى حالنا وواقعنا وحياتنا وأهلينا، أينك يا برومثيوس، أين هرقل، ليمسخ كل هؤلاء الخونة ويحيلهم قروداً وخنازيراً وحميراً وبغالاً، ننتفع بالحمل عليهم، وأن كانوا هم الآن قروداً وخنازيراً وحميراً وبغالاً، ينتفعون بنا ويحملون علينا، ونكون حطباً لنارهم، ووقوداً لمآربهم، نحن مستعدون أن نكون حطباً ووقوداً للخلاص منهم وزوالهم وأجتثاثهم من الوجود برمته، وأملنا فيك يا برومثيوس ان تعيد لنا الأمل والحياة والأمن والأمان والاستقرار على هذه الأرض، وأن تمنحنا السلام والوئام والرحمة والاطمئنان، لأنك انت من علمتنا كل ذلك وزرعته فينا، وعلمتنا كيف نقاوم كل ظالم، وأن نواجه كل طاغي، مهما استطال البلاء ومهما أستبد الألم.