7 أبريل، 2024 7:11 ص
Search
Close this search box.

بروفة طهران في كاراكاس

Facebook
Twitter
LinkedIn

على الرغم من التباين الجغرا سياسي بين ايران وفنزويلا ، الاّ انهما تتشابهان في جوانب مهمة . فكلا البلدين تحكمه ايديولوجية الثورة والشعبوية التي ترفض فكرة قيام دولة تتصرف وفق مصالح شعبها ، وانما تنساق وراء افكارها الشعبوية غير معنيّة بما يجرّه هذا التصرف من آثار جسيمة على حياة الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل ، التي تدعي انها ما جاءت الاّ لتحقيق مصالحهم ، وغير مكترثة بما تعكسه سياستها الداخلية من اضرار على اقتصادها الوطني . وكلا البلدين يستمر اقتصاده بالانهيار وتنحدر عملته بشكل متسارع ويرتفع التضخم الى مستويات خرافية تذكّرنا بالمارك الالماني بعد الحرب العالمية الأولى . كما ان كلا البلدين منتج للنفط الذي تسخّر عائداته لخدمة اديولوجيته الثورية . وكلا البلدين ترفع شعار العداء لأمريكا جهارا نهارا بمناسبة أو بدون مناسبة . من جانبها لاتخفي الادارة الامريكية الحالية رغبتها في تغيير نظام الحكم في هذين البلدين أو على اقل تقدير تعديل سلوكهما لكي يكون مساهما في تعزيز الامن والاستقرار فيهما وفي جوارهما . ووسائل أمريكا اصبحت معروفة يأتي في مقدمتها العقوبات الاقتصادية بعد ان اصبح التدخل العسكري مكلفا ماديا وبشريا وغير مقبول دوليا. وهي تعمل بكافة السبل على ان تكون العقوبات فعّالة تزيد من تدهور الاوضاع الاقتصادية ، ومؤثرة بحيث تطال اثارها أكبر شريحة من الشعب ، وكافية لخلق حالة من التمرد الشعبي على الحكّام .
ما يحدث في فنزويلا الآن هو التطبيق الامثل لسياسات أمريكا الحديثة في تغيير الانظمة او تعديل سلوكها . فبدخول العقوبات الامريكية على ايران مرحلتها الثانية في تشرين الثاني الماضي ، والوضع الاقتصادي في ايران تتسارع وتيرة تدهوره ، ويواصل الريال الايراني انهياره . وبدأ الكثيرمن المتابعين للشأن الايراني يشير الى ان الاقتصاد الايراني يتقدم بنسبة عالية ليشابه الاقتصاد الفنزويلي من حيث استمرار زيادة نسبة التضخم المفرط ( يصل الى حوالي 160% وفقا لتقديرات الدكتور ستيف هانكه استاذ الاقتصاد في جامعة هوبكنز الامريكية ) ، ويستمر تدهور سعر صرف الريال الايراني امام الدولار الامريكي ليصل الى اكثر من 120000 ريال للدولار الواحد ) ، وتزداد نسبة من يعيش تحت خط الفقر لتصل ، عند أفضل المتفائلين وأكثرهم حسن نية ، الى 35 % . واذا اخذنا في الاعتبار الاحتجاجات والتظاهرات التي حدثت خلال الاعوام القليلة الماضية في ايران عندما كان الوضع أقل سوءا بكثير مما عليه الآن ، فيمكن التوقع ان القادم لن يمرّ بسهولة ، وانّ فجوة الانفصام بين الشارع والنظام في ايران تزداد عمقا .
ومن دون اي شك ، فان ايران تتابع ما يحدث في فنزويلا عن كثب ، والاّ لماذا هاتف وزير الخارجية الايراني السيد جواد ظريفي نظيره الروسي السيد سيرجي لافروف ، حيث بحث معه الوضع في فنزويلا ، ونقلا عن وزارة الخارجية الروسية ، فان الوزيرين أكدا استعدادهما للأسهام في ايجاد تفاهم بين القوى المسؤولة في فنزويلا من اجل ضمان السلام الداخلي ومعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية هناك في اسرع وقت. ومن دون اي شك ايضا ، فان ايران تريد لنظام نيكولاس مادورو ان يتجاوز أزمته باسرع وقت ممكن ، لأن نجاح المعارضة في الاطاحة به سيكون كابوسا يؤرق طهران من احتمال اعادة انتاج ما يحدث في فنزويلا عندها .
قبل الثورة التكنولوجية ، كانت الاحداث السياسية ، كغيرها من الاحداث الاخرى ، تنتقل ببطأ ، وكان أكثر المتأثرين بها دول الجوار . ولكن الآن وبعد ثورة المعلومات والاتصالات وفي عالم معولم ، لم يعد الأمر كذلك . فما يحدث في فنزويلا يؤثر في ايران وهي على بعد الآف الكيلومترات ، وتفصل بينهما بحار ومحيطات . فهل ما يحدث في فنزويلا الآن هو بروفة لما هو قادم في ايران !!!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب