23 ديسمبر، 2024 12:43 م

بروستورويكا السوفيت وفدّرلة الرافدين..!

بروستورويكا السوفيت وفدّرلة الرافدين..!

من بوابة الإقتصاد, دخل البروفيسور غورباتشوف, كما يحلو للروس تسميته, إلى صلب المشكلة السوفيتية؛ التي كانت تتمظهر بمظاهر إقتصادية من قبيل ملكية وسائل الإنتاج, وسيطرة المركز على تلك الوسائل, سيما الإستهلاكية..في الواقع إن نزعة الحكم الذاتي المتنامية في الجمهوريات, والتي كان أحد أوجهها الإمتناع عن دفع الضرائب؛ أدت إلى ولادة مشكلات إقتصادية جديدة, رغم تطبيق مبدأ الإصلاح أو البروسترويكا!..
البروستوريكا, مفهوم شمل جميع نواحي الحياة والتفكير السوفيتي؛ إذ كان بمثابة السياسة والفكر الجديد المُتبنى من قبل الحزب الشيوعي الحاكم, ورغم كون المرحلة تزامنت مع إنتهاء الحرب الباردة, غير إنّ المشاكل الداخلية كانت بحاجة لحلول من جنسها, دون الإستنئناس بالعموميات والشعارات التي لا تصمد أمام الواقع؛ فكان الإصلاح, أو إعادة البناء (البروسترويكا) قراراً نهائياً لترويض جوامح الأزمات العاصفة.
مهما كانت النتيجة, يجب تقبلها, ومها كان العلاج متأخراً, بنظرِ الحالمين, بيد إنها مثّلت بداية للخروج من نفق الأزمة, رغم إنّ تأخرها سبب إنهيار الإتحاد..منطقية التفكير البراغماتي, تكون منتجة, عندما تأسس منظومتها على الواقع, بصرف النظر عن الإيدلوجيا وما تفرضه من تزمت وقوالب ثابتة, قد تكون مستوردة من التراث؛ وبالتالي لا تقوى على الصمود بوجه مشاكل مستحدثة!
إنّ الجمود الفكري يعد, بنظر بعض الجمهور, عقيدة لا حياد عنها؛ وهي حالة تمثل إرتداد للخوف من التغيير, أو التطوّر الذي تحدثه حركة التاريخ, علماً إنها حركة حتمية لا تستطيع تلك المخاوف أو الشعارات التراثية أن توقفها. هنا تحدث المجابهة والصراع, وعادة يتبلور بشيء من العنف, فإن واجهته الإرادات المواكبة للأحداث, وأفترضت له الحلول المنسجمة مع طبيعته؛ فتر وخفت وطأته, وإن ظل الترقيع ومحاولة إقناع الأجيال بمآثر من سبقهم وطريقة عيشهم؛ فسيتحول الشعار إلى بكاء يطول زمنه!
مرَّ عقد أو أكثر على التغيير في العراق, جرف معه دماء كثيرة, إستحقت تأسيس نهر ثالث أو رابع بين الرافدين, ولا زال ثمة من يُغني على النزف مستهدفاً, أو مدعياً, إيقافه!..الحقائق لها طعم البارود, قد تكون حالة طبيعية في ضمير من يعيشها, لكنها تعكس كوارث وآلام لا يستشعرها سوى من إكتوى بلهيب سجارها أو راقبها عن بعد!
نحن في مستنقع الدم, في قعر الهاوية؛ فمن يجرأ على الحديث عن مخاطر المستقبل, أو التحذير من عواقب, أية عواقب؟!..
لكي نكون أمة حية, علينا البحث عن مخارج السلام, بواعث النور؛ بغية تأسيس حقبة جديدة بكل ما تعنيه الكلمة, وهذا لن يحدث إلا بمحكاة الأزمة وتفكيك عقدها: ماذا يريد السني الذي يطالب علناً, وكيف يفكر الكوردي, وما هي عناصر التوتّر الشيعي؟!..
القفز على حقائق المرحلة, لا يُلبي طموحات الحل, وكل مآلاتها خطاب جميل لا نجد له أثراً على الأرض؛ بينما نحن شعب ينقرض, ويتحكم بمصيره مجموعة من الوافدين بأفكار تتقاطع مع السلام الذي نمني به أنفسنا, والنتيجة العنفية, تعمّق الفجوة بين الجميع, ويركب موجتها تجار الحروب؛ بينما تتشكل خطوط لحدود جديدة, لا توقف تشكلها سوى إعادة صياغة الدولة من وحي الدستور الذي يفترضها (جمهورية فدرالية)..!