إنّه يعكس واقعاً طالما أنتظره الشعب. فصالح، ولغاية اللحظة هو الرئيس الأول للعراق، وأعني به العراق ككل.
العراق الكل، قد يتجزأ بعد لحظات الصراع الأولى في المنطقة. وحينها ستجد الطوائف والقوميات نفسها في تلك اللحظة من دون هذه الخريطة الحاوية لها. اي عمل يسعى لمنع تفاقم الصراع وحصره بالحرب، يندرج ضمن إطار مفهوم البحث عن سيادة الدولة وإبقاء العراق موحداً.
الغرابة، أن يتصدى رجل من داخل العملية السياسية المعروفة بتقسيماتها العرقية والمذهبية، ليكون رافضاً لتقسيم الدولة بالفعل لا بالقول.
الحراك الذي يقوم به الرئيس برهم صالح في موضوع الصراع الأمريكي-الإيراني، منبثق عن النية والشعور. نية الفعل لتجنيب المنطقة خطر الحرب وويلاتها، والشعور بقداسة بقاء العراق بعيداً عن نيران تلك الحرب التي سيتضرر منها العراق بالدرجة الأولى.
إعلان الرئيس برهم صالح لوساطة يقودها العراق بين واشنطن وطهران، تمثّل رؤية عميقة يتبناها الرجل، بخصوص مصير ومستقبل الدولة. منع الحرب بين ايران وأمريكا يعني توفير الأرضية المناسبة لخروج العراق من ازماته الراهنة، بينما اندلاعها يعني إحلال الفوضى في بلاد الرافدين، وبالتالي تقسيمها إلى كانتونات مذهبية وقومية يسعى إليها أمراء الأقوام والطوائف. وقد أعتادت الحالة العراقية على استيلاء أولئك الأمراء او من ينوب عنهم لمواقع الرئاسات الثلاث.
مشروع برهم صالح في الوساطة بين المتصارعين، يحطّم سطوة الأمراء، وبالتالي فهو يبني دولة المؤسسات. ولهذا دلائل عديدة، أبرزها أن الكورد لديهم الشعور بالعراق كوطن جامع بدليل أن السليمانية أنجبت صالح الساعي لتمكين العراق كدولة قوية. والدلالة الثانية أنّ الرئيس يتعامل كمسؤول يتحرك على كامل المساحة المتوفرة لهم، من دون الركون إلى الحالة الرمزية التي طبعت موقع الرئاسة بطابع سلبي طيلة الفترة السابقة. وثالثها أنه يسعى لتسوير الدولة بحصانة كبرى تمنعها من الانزلاق بالمخاطر والأهوال، بمعنى أنّه يقود حكومته ويتولى المسؤولية عنها بإعتباره صاحب التكليف الأول.
يخرج برهم صالح بالدولة من طور الصراع الداخلي، إلى طور جديد لم يألفه العراق سابقاً، ذلك هو طور التأثير في المنطقة لتمكين البلد، وهذا هو ما يتعامل به الرؤساء الحقيقيين.