“لو رحل المالكي فمن البديل؟”..سؤال منطقي من حيث التقييم, وهو السؤال الذي يتبناه أنصار السيد رئيس الوزراء؛ منطقيته تكمن في إن الجميع متفق على فشل الحكومة بما فيهم جماهيرها؛ غير إنهم يعتقدون بعدم صلاح جميع من في البلد لشغل منصب الرئيس..!
هذا الإعتقاد نتيجة حتمية لعدة أمور, أبرزها, تجيير المشاكل السياسية والأمنية لخدمة القضايا الإنتخابية, والإعتماد على الإعلام كوسيلة في إدارة الإزمة بغية الكسب؛ إضافة إلى عدم غياب المنهجية الفكرية للأنظمة السابقة وقيامها على الرمز القائد, الأمر الذي جعل مفهوم الشخص أقوى وأهم من مفهوم الدولة.
لم يزل الجميع يتعاطى مع الشخوص, إلا القلة النادرة التي تعتمد المشروع والبرنامج كوسيلة للعمل السياسي؛ فالأجابة التي يتلقاها أصحاب السؤال السابق, لا تساهم في تحريك المفاهيم الديمقراطية والمؤسساتية في الذهنية العراقية بصورة عامة..البعض يستبدل المالكي بصولاغ, والآخر يفضل الجلبي, وثالث يأمل بعلاوي, وغيرهم الكثير!..النتيجة, إن الجميع دخل في دوامة لا مخرج منها, والأريح فكرياً لكل صاحب موقف, هو الثبات على ما يراه؛ سيما إن الموضوع يأخذ بعداً عاطفياً وبعوامل شحن مساعدة كثيرة تجعل كل متبني لشخصية معينة, يصر على صاحبه بحجة الوطنية مرة والطائفة أخرى والقوة وما إلى ذلك من أوهام لا تقدم شيئاً على مستوى الأمن والخدمات وإدارة الدولة بصورة عامة..
إن إصطلاح الدولة المتكاملة في العراق, لم يعد قائماً, ولعل المفهوم أُفرغ من محتواه تماماً؛ فالمصطلح يقوم على ثلاث ركائز أساسية ليكتسب الدرجة القطعية والإعتراف والمنافسة في المحافل الدولية والإقليمية: الأرض, الشعب, والحكومة..جميعها مرتبطة ببعض, إن إنتمى الشعب لإرضٍ واحدة, سيخضع ويؤمن بسلطة واحدة, وإن كانت الحكومة قادرة على بسط نفوذها في كل شبر من الأرض, ستمثل جميع الشعب.
الأمر معقد, بيد إنّ نتائجه بسيطة جداً؛ فلا الحكومة مبسوطة اليد, ولا الشعب يجتمع تحت ذات المفاهيم والمواقف..يبدو إن أواصر الدولة باتت ضعيفة جداً, وتحتاج إلى إعادة تقييم وتدعيم قبل الحديث عن أي شيء آخر. ولعل العلل الحقيقية للكثير من المشاكل الجارية في العراق هي نتاج طبيعي لتواري مفهوم الدولة أو ما يصطلح عليه (بالوحدة الوطنية)؛ فلو عولج أساس المشكلة ستختفي النتائج بصورة نهائية..
الصراع لا يمكن إختزاله بالمنافسة بين قوى سياسية أختلفت على مواقف بغية تعطيل الحكومة, أو العمل على إفشالها, بل في أحيان كثيرة أصبحت هذه التهمة معرقلة لعمل البرلمان, وبالفعل تعطلت الكثير من ملفات الفساد والفشل الأمني تحت مؤثرات الحديث عن العرقلة, وغاب الدور الرقابي للبرلمان, بينما رئيس الوزراء والمولود من رحم البرلمان لم يخفِ طموحه بإلغاء المؤسسة الأهم في الدولة العراقية الجديدة والتي تعد مصدر السلطات..
إن عملية الصراع تجري بين منهج يعتمد العمل المؤسساتي, وآخر يعمل لتكريس مفهوم السلطة الشخصية المطلقة, لذا يصر على زج الأسماء في الحملات الدعائية بينما تغيب البرامج الإنتخابية, الأمر الذي يربك الوضع الديمقراطي ويزيد من حدة التوترات, وبغياب تجريب أياً من الأشخاص المنافسين, سيما إن الشخص الوحيد طوال ثمان سنوات صار له مركز سلطة قوي, صارت المطالبة ببديل ناجح؛ وسيلة دعائية توفر الكثير من تبرير عمليات الفساد المستشري والفشل المصاحب لعمل الحكومة, وكأن لسان حالهم يقول: (الموزين التعرفه أحسن من الزين الماتعرفه)..!