يعد برنامج ( العلم للجميع ) الذي كان يعده ويقدمه الراحل كامل الدباغ ، من البرامج التلفزيونية الناجحة والنادرة التي تركت أثرا طيبا لدى ذاكرة الكثير من العراقيين ممن كانوا ينتظرونه أسبوعيا مساء كل أربعاء ، ويكتسب هذا البرنامج تفوقه كونه يقدم بلغة وأسلوب تستسيغه معظم شرائح المجتمع وان كان محتواه يختص بالعلم ، وواحدة من أسباب نجاحه طبيعة المادة التي تعرض في كل حلقة من حيث السلاسة والبساطة في ظل محدودية وسائل تقنيات الاتصالات ، فلم يكن الستلايت موجود ولا شبكة الانترنيت والمعد يعتمد وسائله الخاصة في جمع وتبويب وتقديم المعلومات والأخبار والاكتشافات العلمية المحلية والعالمية واللقاءات بشكل يبهر الجمهور ويوصل رسالته إليهم بكل يسر ، ومن أدلة نجاح البرنامج استمراره لأكثر من ربع قرن وعدم مواجهته لنقد وانتقادات جارحة رغم إن المرحوم الدباغ لم يكن اكاديميا في الوسط الجامعي ، ولكنه كان على اتصال وتواصل مع الجهات البحثية والعلمية لخدمة مسيرة العلم أينما يكون اعتمادا على إمكانياته ومن يسنده في بعض الاحيان ، وبرحيل الدباغ تركت البرامج العلمية فراغا كبيرا في التلفزيون حاول البعض أشغاله ولكن ليس بنفس الجودة التي كان يتفاعل معها الجمهور ، كما إن الفترة التي تلت الانفتاح في الاتصالات بإدخال جميع التقنيات المتاحة دوليا بعد عام 2003 لم تشهد بروز برنامجا مشابها لبرنامج العلم للجميع رغم تعدد القنوات الفضائية المحلية او الموجهة بالذات للعراق ، فالبرامج الرياضية التي عوضت جزءا من الفراغ الذي تركه برنامج الرياضة في أسبوع لصاحبه الراحل المبدع مؤيد ألبدري انتشرت في الكثير من الفضائيات وان كانت ليست بالطريقة التي كان يؤديها ألبدري .
وقبل أشهر علمنا بوجود محاولات وتحضيرات لإعادة إحياء برنامج ( العلم للجميع ) في إحدى الفضائيات ، واعتقد البعض إنها عبارة عن مغامرة كبرى لان استخدام نفس الاسم لبرنامج كامل الدباغ ينطوي على مجازفة لان البعض من جيل الدباغ لا يزالون أحياء ولم يغيب عن بالهم طعم ذلك البرنامج الذي كان يعولون عليه في قناة فريدة في وقتها هو تلفزيون العراق ، وخلال الأسابيع الماضية تم بث أربع حلقات من هذا البرنامج من قناة واحدة ( النعيم الفضائية ) من ضمن مئات القنوات المتاحة للجمهور بمختلف الأقمار الصناعية ، و ما يتضمنه البرنامج يستحق الاهتمام استنادا للأسلوب الذي يعتمده معد ومقدم البرنامج ، وهي ليست مجازفة لان صاحبه اليوم ( البروفسور الدكتور علي البكري ) وهو من الشخصيات العلمية المعروفة في البلد بسعيه لخدمة العلم ، ولا يحتاج للشهرة والانتشار لولوج هكذا محاولة و سيرته العلمية غنية بالعطاء فقد عمل أستاذا جامعيا وشغل منصب العميد لعدد من الكليات التقنية الرصينة ، وهو من المخترعين البارزين و سجلت له العديد من براءات الاختراع في الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية كما تم اختياره رئيسا لمنظمة تعنى بشؤون المخترعين ، والبعض من اختراعاته وجدت طريقها في التنفيذ محليا ودوليا ، وحسب ما أفصح عنه ا فان هدفه من تبني فكرة إحياء برنامج العلم للجميع ليس تخليدا لذكرى المرحوم كامل الدباغ لما قدمه من خدمة للمجتمع في ذلك الزمان فحسب ، وإنما لإشغال جزءا من أوقات شرائح المجتمع وبالذات الشباب ببرنامج علمي فيه الفائدة والمتعة والتعريف وبما يحصل في العالم من تغييرات وتطورات علمية ينبغي إدخالها للتطبيق في البلاد لما فيها من منافع ومردودات في المجالات الإنسانية والاقتصادية وغيرها .
وليس من باب الحكم والتقويم ، فان من العدل والإنصاف أن يتم الثناء على ( خطوة ) إعادة عرض برنامج العلم للجميع بالطريقة والسلاسة التي استقطبت الاهتمام مع إدخال مزيدا من التقنيات والأساليب والتركيز على الحداثة والسبق في تقديم المحتويات ، وقد وجدنا في شخصية المعد – المقدم الكاريزما العلمية والإعلامية التي تؤهله لولوج هكذا ( مجازفة ) نتوقع لها مزيدا من النجاح ، ونقول مجازفة لان إعادة محاولة الدباغ تحتاج لشجاعة وإرادة وتمكن أكيد ، وبرنامج بالوزن الذي وصفناه يحتاج إلى دعم وتطوير لكي نضمن له الاستمرار وهو أمرا ممكنا في حالة توفر موازنة مالية مناسبة يمكن من خلالها مزج خبرات المعد بجهود فريق متكامل يتولى الإعداد نظرا لكثرة وتسارع المعلومات والمتغيرات في العلم وفي التقنيات والتطبيقات لتقديم مواد تنافس ما يعرض في البرامج العلمية العالمية ، كما نعتقد إن إدخال مزيدا من المهارات الإعلامية للبرنامج في للمتابعة في الميدان وإدارة الحوار سيكون مفيدا في تقصي تفاصيل ونتائج الأبحاث والتجارب وحقول العمل في كل البقاع لتغطية كل الأحداث وإبداء الرأي فيها وتشجيع تسويقها وانتشارها حيثما تطلب الأمر ، وكنا نتمنى أن تكون هناك روابط بين القنوات الفضائية المحلية بهدف تسويق مثل هذه البرامج لتغطية التكاليف ، بما يتيح بث حلقات البرنامج بأكثر من قناة ليس لأهداف تجارية او دعائية وإنما لأعمام الفائدة منها لان اهتمام الجمهور موزع بين الفضائيات لتعددها وتنوع عروضها ، ونستطيع القول إننا بحاجة فعلا لمثل هذا البرنامج الهادف بحلته الحالية بعد أن صدعت الرؤوس من كثرة البرامج السياسية والمؤدلجة وبرامج اللهو واستدراج العواطف ، ولا يعني إننا نقف ضدها جميعا ولكن لكي نعطي العلم حقه في ما يستحقه من الاهتمام والتشجيع ، وبرامج بشهرة ومكانة ( العلم للجميع ) بإمكانه تحريك المواقف والاتجاهات لتحقيق أهداف مفيدة للمجتمع والأفراد .