وصفوه بعرّاب الثورات يضع ترحاله حيثما حلّ الخراب والفوضى والفتن وأينما تكون الإضطرابات إلى درجة وصفه بعرّاب الفوضى.
هو شخصية مثيرة للجدل حيث يتواجد في بؤر التوتر والصراعات والنزاعات، ظهر في أفغانستان أثناء ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وإقترب كثيراً من حركة طالبان التي كانت تقاتل السوفييت، لمحته الأنظار في ليبيا بعد سقوط القذافي، أدخل البلاد في آتون فوضى مُدّمرة.
أدرك التونسيون دوره التخريبي فخرجوا إلى شوارع العاصمة عام 2014 مطالبين بإخراجه من بلادهم مما إضطر رئيس الجمهورية يومها المنصف المرزوقي إلى التنصل من الدعوة التي وجهها إليه، عرفته حروب البوسنة والهرسك ولم تختفي صورته في أحداث السودان وسوريا.
برنار هنري ليفي ذلك الكاتب الفرنسي أو الجنرال العسكري أو ضابط المخابرات أو أياً كان هو من إصول يهودية تترافق صورته مع صور الخراب والتوتر والحروب.
تواجد برنار في جبال كردستان عندما أراد الإقليم إجراء إستفتاء الإنفصال عن بغداد، فكان من الداعمين لقرار الإنفصال وممثلاً لإسرائيل في دعمها لهذا الإستقلال بحيث خرجت المظاهرات في شوارع الإقليم وهي حاملة العلم الإسرائيلي لتأكيد هذا الدعم الذي إستفز الرأي العام في بغداد، واخيراً تواجد برنار هنري في أوكرانيا وهو يتجول بين الجيش الأوكراني.
وجهان لعملة واحدة صنعتهم ظروف واحدة وفوضى خلابّة أوجدت سابقاً لورنس العرب وإستنسخت نسخته الجديدة في برنار هنري في مخطط واحد وهدف واحد وربما المستفيد واحد.
والمفارقة ان نفس الأخطاء تتكرر عندما كان عرّابها لورنس العرب وإنتهت لصالح الأعداء، لورانس الذي إختلفت أيضاً الروايات بشأن شخصيته فالبعض وصفه بملك العرب غير المتوّج وآخرين وصفوه بالجاسوس الذي إندّس بين العرب لأغراض إستعمارية محددة وهو صاحب الخدعة الكبرى عندما خان العرب مع الدبلوماسيين البريطانيين والفرنسيين في إتفاقية سايكس بيكو التي قسمت الدول العربية إلى أجزاء، ومن هنا يمكن توصيف دور برنار في دور مشابه ومتطابق للورانس العرب كما في السابق بتهيئة الأوضاع السياسية والأمنية والتلاعب بمصير العرب وغيرهم لإقناعهم بالإنضمام إلى الإنكليز مقابل إيهامهم بأساليبه الخبيثة المقنعة أن بريطانيا ستكون الملاذ والمخلّص لهم، وهي البداية التي بلورت فكرة تأسيس وعد بلفور المشؤوم في الثاني من تشرين الثاني من عام 1917 والذي تكّفل بإعطاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وجود هنري ليفي في مناطق الحروب شبيه بتواجد لورانس في إستخدام يقيني لنظرية المؤامرة لتفسير مايجري من احداث عندنا أو حولنا ولكنها حقيقة أن التاريخ يُعيد نفسه، فبالأمس كان لورنس العرب الذي أقنع الشريف الحسين أنه يدافع عن وطن عربي مستقل لتبدأ شرارة الثورة العربية الكبرى أثناء الحرب العالمية الأولى، لكن لورنس العرب خان الشريف الحسين بنظرية كان يؤمن بها قولاً وفعلاً عندما كان يقول (وفي النهاية كان لابد من أن انضم إلى المؤامرة..فالأفضل أن نفوز بدلاً من أن نخسر حتى إن نكثنا بوعدنا) تلك هي فلسفة لورنس العرب ومافعله بالمنطقة العربية آنذاك.
مانشهده اليوم هو العشرات من برنار هنري وأمثاله يجوبون مناطقنا ونحن عنهم غافلين أو مُستغفلين وشيئاً فشيئاً بدأنا نفقد زمام المبادرة ليتسلمها برنار وغيره متوهمين أن ثوراتنا وإصلاحنا ستصنع النصر على يد برنار وغيره، ولايوجد من يحاول أن يعود إلى الماضي قليلاً ليأخذ العبر من سلبياته وأن لايكررها في زمنه الحاضر.
ستظل لعنة التاريخ الأسود تلاحق صاحب البصمات السوداء في ليبيا والعراق والسودان وسوريا.