حقا انه سوق عكاظ جديد ، فالتاريخ يعيد نفسه كما يقولون ، ذلك السوق الذي طالما ارتقى منابره عظماء الشعراء والادباء ، وهم يتناظرون ويشتم بعضهم بعضا – في كثير من الاحوال – ، غير ان البرلمان العراقي اختلس صفة اخرى للسوق ، وبمفهوم (على راحتك حضرت ام لم تحضر ) ، فلم يذكر لنا التاريخ ان رواد عكاظ كانوا يسجلون حضورا يوميا ، الان ان ابوابه كانت مفتوحة على مصراعيها لمن شاء المبارزة الكلامية والتهكم والمديح والذم .
كيف لنا ان نفسر عدم وصف برلمانات عريقة غربية كمجلس العموم البريطاني الذي تكاد لا تخلو جلساته من خلاف شديد بين المحافظين والعمالّيين ، واللبراليين ، وتبادل الاتهامات والصيحات ومحاولات اسكات كل طرف المتحدث من طرف اخر ، والايطالي المشهور بتبادل اللكمات ، او برلمانات شرقية كالتايلندي، الذي عادة ما يشهد تشابكا بالأيدي ومثله الكوري الجنوبي.، وحتى العربية كالاردني والكويتي ، أقول لماذا لم تُوصف هذه البرلمانات بانها سوق عكاظ ؟ وهم يتصارعون على اثبات موقف ما ، إلا ان التشابك بالايدي ،وفي الاحوال كلها ، ياتي من حرص على منع مصيبة ما في قانون يُصر تكتل معين على تمريره ، او يكشف عن فساد ينخر جسد الدولة ، يحاول فريق برلماني وفي اي مكان من الدنيا التستر عليه ، وبالتالي ينطبق عليه قولهم (رب ضارة نافعة ) ، ومن هذا المنطلق استبشرنا خيرا بعد جولة الملاكمة في البرلمان العراقي مطلع العام الجاري .
لكني اكاد اجزم ان شعراء وادباء عكاظ لو دعوا– في زمنهم – الى جلسة طارئة بسبب ضرر اصاب لغتهم وابداعهم لأتوه حبوا .
لا أدري كيف يستطيع ممثل لالاف العراقيين في (برلمان عكاظ) ان يمتنع عن حضور جلسة طارئة وقد هاجت وماجت بحور من دماء العراقيين ؟.
لماذا يحضر 141 برلمانيا من مجموع 325 ؟ اليست احوال البلاد طارئة ؟ ام إن دماء العراقيين رخيصة الى هذا الحد !، فليحضروا وليقولوا مايشاؤون ،فليتبادلوا التهم وليتشابكوا بالايدي اذا اقتضى الامر ، فذلك اهون بكثير من قطرة دم عراقية طاهرة ، وروح تُزهق بفعل المتربحين من زعل البرلمانيين ، لماذا اقسموا على خدمة العراق ؟ ، وكيف اقنعونا بانهم سياسيون ؟، حقا انه برلمان (شريك بالاضطرابات ) كما يقول رئيس حكومتنا المعطاء ، لان غالبية اعضائه يخشون المواجهة تحت قبة عكاظ الجديد ، البرلمانيون البريطانيون والكوريون والتايلنديون وكثير من العرب ، مخطؤون لانهم يتواجهون ، لانهم يتقبلون الشتم والتهكم والسخرية والضرب اذا تطلب الامر ، وعليهم ان يتجنبوا المواجهة كما يفعل العراقيون ، وعلى المتضرر اللجوء الى عكاظ الجديد بعد انتهاء العطلة التشريعية