18 أبريل، 2024 3:35 ص
Search
Close this search box.

برلمان التفاهات لا يحتاج الى الشهادات

Facebook
Twitter
LinkedIn

من الأمور المضحكة جدا ما حصل أخيرا باعتبار شهادة البكالوريوس الحدّ الأدنى لمن يتقدمُ للترشيح للانتخابات القادمة ، وكأنهم وضعوا أصابعهم على مكان الجرح وعرفوا سرّ فشل البرلمان في الدورات السابقة ، والطامة الكبرى أنهم يدركون جيدا أن الفشلَ المستمرَ المتواصل لا علاقة له بالشهادات ولا بالمستوى العلمي والثقافي للنائب لأسباب كثيرة ، هم يعرفونها قبلَ غيرهم . وحتى لو جعلوا شهادة الدكتوراه حداّ أدنى للمرشح فلن يتغيّرَ شيء على الاطلاق . فهذا البرلمان المسكين الذي وُلدَ بعملية قيصرية ماكرة ، ووُضعَ على مهد المحاصصة الطائفية والعرقية ، وتغذى بحليب الشياطين ، وتعرّض لأبشع عمليات الاغتصاب من قبل القوى المستحوذة على مفاتيح العملية السياسية ، لا يمكن أن يكون برلمانا كسائر البرلمانات المحترمة . ولا يحتاجُ النائبُ في مثل هذا البرلمان الى مستوى علمي وثقافي راقٍ يؤهلهُ للابداع وللابتكار ولايجاد الحلول طالما أنه مجرّدُ بيدقٍ تحركهُ القوى المتنافسة كما تتحرك البيادق على رقعة الشطرنج . بل كلّ المطلوب منهُ أن يفهمَ دوره وأن يجيد هذا الدور المرسوم لهُ من قبل سلاطين الكتل المتحكمة بمجريات الأحداث . عليه أن يعرف كيف يكملُ النصاب أو يكسرهُ بالجلوس في ( كافتريا البرلمان ) ، وعليه أن يجيد المشاكسات وفتل العضلات ، والصراخ والزعيق والتصفيق والنعيق ، والتطبيل والتهويل ، والموافقة أو الاعتراض دون أن يفهمَ لماذا وافق ولماذا اعترض . وان لم يستطع أن يلعبَ هذا الدور ، فعليه أن يبقى متفرجاً أو نائما بغفوةٍ عميقة ٍ ترحمهُ من آلام الصداع . وقد أثبتت الدورات البرلمانية السابقة هذا المفهوم بشكل واضح لا يقبل التشكيك أو التأويل . والذي تحدثتُ عنه ليس من باب الخيال المحض أو من باب السخرية المقصودة ، بل انه تجسيد حقيقي للواقع الذي هيمنَ على الدورات الثلاث من الألف الى الياء . وثمة أسئلة منطقية تعززُ ذلك المفهوم وتدحضُ أيّ اعتراض على ما تقدمتُ به . فماذا قدمّ أصحابُ الشهادات العليا تحت قبة البرلمان خلال دوراته الثلاث للشعب العراقي من انجازات ملموسة أوْ على أقل تقدير من اقتراحات ترتقي الى مستوى علمهم وثقافتهم ؟ وهل كان لهم الصوت المسموع الفعال لتغيير الواقع المؤلم الى واقعَ آخر مفعم بالآمال المنشودة ؟ وهل احترموا شهاداتهم العلمية ليقولوا لأولئك الفاشلين كفى ضحكاً على الذقون ؟ وهل خلعوا ثياب المحاصصة البغيضة وارتدوا بدلا عنها ثيابا حضارية تتناسبُ مع حجم شهاداتهم ؟ وهل واجهوا المعضلات والمشاكل الخلافية بشجاعة فائقة وبمنطق العلم – الذي هُم أهل لهُ – بدلاً من الصمت الذليل أو الجلوس في كافتيريا البرلمان تهرباً من المواجهة ؟ وهل فكرّوا – ولوْ لمرةٍ واحدة – أن يواجهوا الجهلَ والتشرذم وعمليات الكرّ والفرّ بأساليب علمية مقنعة تقودُ سفينة البرلمان الى برّ الأمان ؟ وهناك أكثر من علامة استفهام – لا مجال لذكرها هنا – تجعلني أقول وبمنتهى الثقة أن برلمان التفاهات لا يحتاجُ الى الشهادات .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب