برلماني ، برلماني ، خَيّبتْ كُل الأماني
يا جيش يا سور الوطن ، لا تكون ويّة الظالم
سلميّة ، سلميّة
يا حُكّام يا حُكّام ، كافي تسرقون الأيتام
هذه بعض الشعارات التي رفعها المتظاهرون هذا اليوم 31 آب /أوغسطس ، وتعجّبت من دهاء الأجهزة الأمنية من أجل محاصرة هذه التظاهرات ، فقد أغلقوا كل الشوارع المحيطة بشكل تام فمنعوا التقاء التظاهرات الثلاث الكبرى في ساحة الاندلس ، وساحة الفردوس ، وساحة التحرير ، بحيث يبدو من الظاهر ان قوات سوات والمغاوير كانت لحماية المتظاهرين ، ولكن الواقع شيء أخر تماما ، وهو الخوف من أن نصبح (مصر) ثانية ، وليتهم أستخدموا هذا الدهاء لمنع آكلي لحوم البشر من أفتراسنا بالجملة ! .
تابعت فصول ثورة شباب مصر ، كان التلفزيون يستعرض صور شهداء انتفاضة 25 كانون الثاني /يناير،كانوا بعمر ولدي (احمد) ، يشبهونه كثيرا، للوهلة الاولى بدوا وكأنهم شباب غض طري العود ، لا حول له ولا قوة ، مجرد شباب لا هم لهم سوى الانغماس في الطيش (وكأنه مرادف لشبابنا) ، والتكنولوجيا الحديثة التي أعتقدنا انها ستدمر أفكارهم ، وتغسل ادمغتهم بالانحلال والتهتك !.
كنا على خطأ جسيم ، لقد قلبوا الموازين ، فاقوا الشيوخ حكمة ، تغلبوا على الحديد والنار، روضوا التكنولوجيا لأسماع صوتهم الى كل زوايا الارض ، فكسبوا تعاطف شعوب الارض ، وانظمتها السياسية وتضامنهم ، فكانت بحق ، ثورة بيضاء منظمة ، حكيمة ،قلبوا بها أعتى الانظمة دكتاتورية ، فهنيئا لهم .
وتيقنت ان مستقبل مصرفي أيد أمينة ، وعندما سرق (الاخوان) الثورة ، انبرى الشباب مرة أخرى لأعادة الامور الى نصابها .
ويحز في نفسي ، شباب بلدي الذي تراه اما مرتديا أحزمة الرصاص ، منخرطا في أحد الميليشيات ، أو ملتفعا لحزام ناسف ، باحثا عن الحشود ، او منكفئا على ذاته بسبب الاهمال والعوز والاحباط والفقر ، فانغلقت منافذ فكره.
وألى الذين يراهنون ، على ان مصر ستمر بما مررنا به (لا سمح الله) أقول :
ان نظام بلادي ازاحه المحتل ، وهل سمعتم بأجنبي يبني بلدا محتلا !؟.
ونظام مصر ، ازاحه شبابها الابطال في ثورة عفوية غير مدفوعة من أي حزب او حركة .
ان جيش بلدي قد حله المحتل ، وأذله من خلال تجويعه ، كي يرمي له الفتات !، بعد ان اتعبه النظام في الحروب ، وشوّبه بمن هب ودب من (الهلافيت).
وجيش مصر كسب أعجاب العالم بالمهنية والحكمة في حماية أمن مصر وشبابها ، وكأنه خرج منتصرا ، ضافرا ،وبلا خسائر ، من أعتى الحروب ، فوز نادر لجيش عربي ، فعزز مكانته ، راعيا للمرحلة الانتقالية .
ان ساحة بلادي قد خلت من الحركات السياسية ، فأستورد المحتل الفرقاء السياسيين وشخصيات نكرات متعددة الجنسيات ، لا هم لها سوى الاثراء بارقام فلكية ،ليلوذوا بعد ذلك الى الوطن البديل ،عندها ستصدر بحقهم مذكرة خجولة بالتوقيف! .
وفي مصر الاحزاب العريقة ،والشخصيات المعروفة ، وحركات جابهت النظام في اعتى قوته ، لديها الوفد ، والاخوان ، وكفاية ، والغد وغيره .
ان ثمن ثورة مصر بضع المئات من الارواح الزكية ، وثمن دخول المحتل ، الالاف المؤلفة من الشهداء ، ونار مستعرة تأكلنا الى الان .
ان المحتل دمر كل بنانا التحتية ، وما سلم ، تناهشته ايدي التخريب والنهب .
ومرافق مصر الحيوية ، لم يصبها أي خدش، بفضل اللجان الاجتماعية ،وهذا وعي يحسد عليه المتظاهرون .
ان بلدي صار ساحة لتصفية الحسابات من الجهات الاربع ، أقليمية ودولية وجيران ، وهذا ليست مما عليه مصر .
أخيرا أقول ،اننا نفتقر لحس المواطنة وحب الوطن ، والحرص على الممتلكات العامة ، وشباب مصر ، يكنسون ميدان التحرير من مخلفاتهم .
لقد رضينا بالضيم سياسة .
وبالفقر نهجا .
وبالحزن مدرسة .
قال الامام علي (ع) : ((كنتم هدفا يرمى ، وفيئا ينتهب ، ويعصى الله فترضون )) .
صدق أمير المؤمنين ..
كانت شوارع بغداد هذا اليوم مقطّعة الأوصال بشكل تام ، بحيث أقتضى مني السير لمسافة تزيد عن 5 كيلومترات للوصول الى ساحة الاربعين حرامي ثم الى ساحة الاندلس .
تواجدت قوات سوات والمغاوير بشكل مكثّف ، وأحاطت بالمتظاهرين من جميع الجهات ، بأعداد كبيرة وهم يحملون الدروع البلاستيكية ، وتتشدق الحكومة دوما بحق المواطن بالتظاهر ، لكني شاهدتُ الكذب والضحك على الذقون بأم عيني ، مجرّد شعار أخر من الشعارات ذات الاستهلاك المحلي .
انا أعلم جيدا ، أن لو توفّرت فتوى خاصة بالتظاهر ، لأفتت المرجعية الرشيدة بوجوب الالتحاق بهذه التظاهرات كما أفتت بوجوب الادلاء بالانتخابات ، ولكن لكونها دينية ، وكل ما يهمها سلامة الأرواح ، فهي تعلم كم نحن (رخيصون) أمام عيون الدولة ، بالاضافة الى الحرج الذي قد يسببه الاختلاط بين الجنسين مثلا .
كانت بحق تظاهرات واعية وغير غوغائية ، التمستُ منهم الحس الثقافي العالي ، وحب الوطن ، والمرارة وخيبة الامل الشديدين ، تحت الشمس التي تحرقنا بعناد ، ولكني أقول ، انتهى ذلك الزمان الذي كان يُزجّ بنا في التظاهرات ونحن شباب لسبب لا نعلمه ، والدافع الحقيقي ، هو التملّص من الدوام !.