عملية الانتخاب وثقافة الانتخابات دخلت الى العراق مرتين في التاريخ المعاصر للعراق ، اولهما عام 1915 مع خيول الجنرال ستانلي مود القائد البريطاني الذي احتل العراق في عهد العثمانيين والمرة الثانية دخلت عملية الانتخابات مع الدبابات الامريكية في عام 2013 بعد اسقاط نظام صدام!!!.
كان الحكم الملكي هي التجربة الديمقراطية الاولى للشعب العراقي في اختيار الحكومة وكانت في العراق حوالي 50 حزبا مرخصا بالعمل والمشاركة في الانتخابات وكانت هناك حرية الرأي ومظاهرات ضد نظام الحكم القائم رغم وجود اخطاء وسلبيات الحكم الذي كان قائما الا انه كان بامكان تطويره وتحديد صلاحيات الملك وتطوير آليات الانتخاب !! الا ان انقلاب عبد الكريم قاسم الدموي الذي رافقه القتل والسحل في الشوارع والبدأ بمرحلة وموجه جديدة من الدساتير الموقتة والنظام العسكريتاري والدكتاتوري والحزب الواحد والانقلابات المتتالية والتصفيق لكل كلمة ينطقها القادة الملهمون والضروريون لحد سقوط بغداد عام 2013 بيد الامريكان.
بعد سقوط النظام تم اعتماد الانتخابات ورأي الشعب ثانية كأساس ومقياس لنظام الحكم وتم كتابة دستور دائم وانتخاب حكومة بواسطة توافقات داخل البرلمان، رغم العراقيل والسلبيات التي رافقت العملية ولحد الان لمختلف الاسباب اهمها عدم وجود تجربة وثقافة الانتخابات في النخبة والشعب العراقي واصرار الاحزاب الكردية على نمط انتخابي ودستور يخدم مصالحهم.
النظام الانتخابي والديمقراطي وتشكيل الحكومة الذي تم اعتماده في العراق نظام معقد وليس سهل وبسيط انه نظام برلماني يأسس اولا لبرلمان (مجلس منتخب من الشعب) ثم تنصب البرلمان رئيس الجمهورية للعراق وبعدها يكلف الرئيس الكتلة الاكبر في البرلمان لينصب رئيس الوزراء والوزراء وينتخب البرلمان ايضا رئيس البرلمان ويوافق ايضا على معاوني ونواب السلطات المذكورة!!!
ان مثل هذا النظام نظام معقد يعاني منه حتى الدول التي لديها تجربة طويلة في النظام البرلماني مثل تركيا حيث دائما المهاترات والمنازعات بين القوى السياسية وعانت كثيرا من مشاكل تشكيل الحكومات فيما مضى وخاصة عندما تكون اعداد اعضاء الكتل متقاربة مع بعضها،
بينما النظام الرئاسي المحدد ب 4 سنوات ولدورتين فقط هي الابسط والاقرب لثقافة الشعب العراقي كما هو متبع في والولايات المتحدة الامريكية وايران وبعض البلدان الاخرى.
ان النظام البرلماني هي اكثر ديمقراطية من اي نظام آخر ولكن تكون كفوءة وعملية في داخل المجتمعات المندمجة سكانيا وذات مستوى ثقافي عالي مثل السويد واليابان واستراليا وبريطانيا ووو الخ ، او على الاقل لها نخبة تدير البلد لها تجارب وكفاءة واخلاص.
اما في العراق فان الغالبية العظمى من مرشحي البرلمان ليس لديهم اي تجربة او المام بالعملية الانتخابية فالانتخابات هي اساسا ليس الهدف وانما هي وسيلة لتداول سلمي للسطة وليست قطعة كيك للتقسيم بين الفائزين وامتيازات كبيرة!!.
ان ضحالة ثقافة المرشحين والقائمين للانتخابات والحكومة نراها بوضوح تام اثناء الدعايات الانتخابية واثناء دورتهم البرلمانية !!! فاحدهم يقول ان المالكي هو علمدار المرحلة (اشارة الى الممثل التركي في مسلسل وادي الذئاب)
وأحد النواب يظهر في التلفزيون ينقل الاخبار فقط مثل ان الاتفاق على الموازنة قد تأجلت!!
احد المرشحين وضع صور المترو والطائرات وساحات القدم واشر بيده ليقول للناخب اني سابني كل هذه !!
واحدهم وضع في دعايته الانتخابية التشجير وبناء الملاعب!!
واخريات من المرشحات وضعوا صور زوجاتهم واخوانهم بدون اي برنامج انتخابي .
وبرلماني اخر لم يصرح ولم يتكلم شيئا سوى اصراره على توزيع ريع النفط على الشعب ، اي ان نبني شعبا كسولا يأكل ويشرب ولايعمل!!!.
ان تشويه منظر الشوارع والحيطان بصور المرشحين والتكلفة الباهضة للانتخابات وصرف 180 مليون دولار للبطاقة الانتخابية فقط علامة بارزة على الفوضى والاسراف والسرقة باسماء مختلفة تحت غطاء قانوني!!!
انها علامة على قصور في تفكير النخب الحاكمة في العراق حيث تصرف الملايين على شئ غير ضروري كان بامكان ان ننشأ شركات انتاجية عملاقة بها ولكن نرى اننا نستورد الحليب من دولة صحراوية مثل الكويت والسعودية!!.
اننا لا نلاحظ في غالبية البرلمانيين القدامى والمرشحين الجدد اي كفاءة في ادارة الدولة وفهم عمل البرلمان !! فالبرلمان موسسة عملها الاول
تاسيس لحكومة والنظر في القوانين التي تصدرها الحكومة ومراقبة واستجواب اعضاءها وليس عملها اجرائي وتنفيذي كما يشير اغلب المرشحين في برامجهم ودعاياتهم الانتخابية!!!!.
فاكثر المرشحين يشيرون الى الخدمات فالخدمات مثل الكهرباء والماء وتبليط الشوارع والتشجير وبناء الملاعب والمطارات والخ !!
فما علاقة البرلماني بالكهرباء او التبليط ؟؟ انها مهمة موسسات الدولة او الشركات مثل البلدية وشركات الكهرباء ؟؟؟ فالكهرباء في الحقيقة من المفروض ان تباع وتشترى كأي بضاعة اخرى من قبل الشركات وتحدد سعرها المنافسة مثل اسعار كلفة المكالمات بالهاتف النقال!!.
ان قصور تجارب ونظر النخب السياسية ادت الى فرض دستور معقد وتحوي على فقرات خطرة لو نفذت لم يبقى دولة اسمها عراق وانما تتحول الى مدن واقوام وطوائف تتحارب من اجل الحدود والماء والنفط !!! ان الدستور الحالي يحتوي الغاما كثيرة مثل المادة 140 السيئة الصيت والتي تستعمل كلمة ( المتنازع عليها ) ضمن دولة واحدة وبذور الفيدرالية القومية والطائفية.
ان المطلوب من البرلمانيين اعادة النظر في الدستور الذي كتب بايادي مشتركة من الاحزاب الكردية وامريكا واسرائيل وامثال همام حمودي من المجلس الاعلى ومحمد علي الاديب من حزب الدعوة وبموافقة طارق الهاشمي.
ان الغاية الاساسية لاصرار امريكا ومن وراءها الصهيونية على الفيدرالية في العراق باعتقادها ان الدول الغير المندمجة سكانيا والتي فيها خلاف قومي او طائفي سوف تكون اقل خطرة وسوف لا تستطيع اتخاذ قرارات الحرب بسهولة!! فالغاية هي امن اسرائيل اولا!!
ان غباوة السياسية للنخب الحاكمة في العراق يتبين من حديث عضو البرلمان العراقي السابق محمد تقي المولى حيث قال عند تدشين الدستور الدائمي للعرق : ان الاكراد وضعوا في الدستور الفيدرالية ونحن وضعنا حرية الطقوس الدينية ومراسيم العاشوراء!!! فهو يساوي بين قضية تمس امن ومصير العراق مع مراسيم دينية!!.
ومرشح اخر بضمير لم يذكر شيئا واكتفى بالحقيقة فقط وقال: الحديث او القرار عن امور تمس صميم الانسان والشعب وكرامة حياتهم ورفاه حاضرهم ومستقبلهم تكون المجاملة بكل مفرداتها ولغاتها الموسمية في دائرة المحرمات الاخلاقية والمبدئية معا!!.
ان النظام الحالي في العراق افضل من سابقتها وان كثر اخطاءها وهفواتها وتقصيرها والفساد المستشري في مفاصل الدولة ولكن ينبغي على البرلمان القادم ان :
1 – يحدد النظام الفيدرالي للعراق بالفيدرالية الادارية فقط وبشكل واضح وصريح.وليس فيدرالية قومية او طائفية كما هو فيدرالية الشمال !!
2 – ينبغي النظر في الدستور العراقي والغاء بعض الفقرات المثيرة للجدل مثل الغاء المادة 140 من الدستور الذي هو عار على من كتبه ووافق عليه!!
3 – ينبغي ترشيق الحكومة والبرلمان والادارات الاخرى فليس من المعقول ان تكون للولايات المتحدة 8 وزارات وللصين 11 وزارة وللعراق ما يقارب من 50 وزارة وتم اختزالها ب30 وزارة في الفترة الاخيرة!!. وينبغي تحويل الدولة الى موسسات ثابتة لها رئيس متخصص ومجلس امناء .
4 – تخفيض امتيازات المسوولين في الدولة مثل الرواتب العالية وجوازات سفر دبلوماسية لعوائلهم .
5 -اعطاء صلاحيات ادارية اكثر للمحافظات يأدي الى الحد من المطالبة بالفيدراليات الجغراقية والطائفية والقومية.
6 – ترشيق البرلمان نفسه وتخفيض عدد المرشحين للبرلمان واعضاءه ، فالبرلمان موسسة استهلاكية تمتص جزءا مهما من واردات العراق .
7 – الغاء البيشمركة والميلشيات الاخرى ودمجها بالجيش العراقي.
8 – تخفيض ميزانية اقليم الشمال بما يتناسب مع نسبة السكان الحقيقية بحيث يكون تقسيم الميزانية عادلا وليس سياسيا كما هو في الوقت الحاضر.
ان تنفيذ المقترحات المذكورة سوف تادي الى توفير مبالغ كبيرة للدولة والمساهمة في الاندماج السكاني في العراق وتزول الكثير من الاخطار التي تهدد سلامة وامن المواطن والوطن وتادي ايضا الى عدم التشبث بالحكم لان صلاحية الحكومة وامتيازاتها سوف تقل وتادي بدلا من تقوية الحكومة الى تقوية موسسات الدولة عوضا عنها.