15 نوفمبر، 2024 1:53 م
Search
Close this search box.

براعةُ ضَربِ الأمثال

براعةُ ضَربِ الأمثال

-1-

الانسان حسيّ بِطَبْعِهِ ، ومن هنا فانّ ضرب الأمثال يُسْهِمُ في توضيح المُراد للآخرين والوصول الى الهدف بسرعة ….

وكانت العادة عند المتحدثين ، في مختلف القضايا والشؤون ان يستعينوا بضرب الأمثال وصولاً الى مايريدون .

ولسنا الآن بصدد ما جاء من الأمثال في كتاب الله العزيز، وفي أحاديث الرسول (ص) وعترته الطاهرة (ع)، فان ذلك مما يحتاج الى دراسة خاصة.

-2-

جاء في بعض كتب الأدب :

ان رجلاً كانت له (ضيّعة) غصبها أحد ولاة المنصور العباسي ، فذهب الى المنصور شاكياً فقال :

أصلحك الله أذكرُ حاجتي أم أضرب لك قَبْلَها مَثَلاً ؟

فقال المنصور :

بل اضرب قَبْلها مثلاً .

فقال الرجل :

ان الطفل الصغير اذا نابه مايكره، فزع الى أمّه ، لِعِلْمِهِ أنها أقوى على نصرته من غيرها ،

فاذا ترعرع ونابه ما يكره، لجأ الى أبيه لعلمه أن أباه أقوى من أُمّه على نصرته ،

فاذا بلغ مبالغ الرجال ، ونابه مايكره، رفع أمره الى الوالي لعلمه أنه أقوى من أمه وأبيه ،

فاذا كُمل عقلُه ، ونابه مايكره، ذهب الى السلطان لعلمه أنه أقوى من الوالي،

فاذا لم ينصفه السلطان ، شكا الى الله ، لعلمه أنه أقوى من السلطان .

فان أنْصَفْتَني ، والاّ شكوتُ الى الله ، وأنا متوجه الى بيته الحرام .

فقال له المنصور :

بل ننصفك ،

وكتب الى واليه برّد ضيعته .

-3-

وهنا نلاحظ :

1 – ان باب السلطان كان مفتوحاً لشكاوي المواطنين .

وكانت فرصة اللقاء بالسلطان متاحةً لهم .

والوقوع – كما يقول الفلاسفة – أَدَّلُ دليل على الإمكان ..

وها هو الرجل يصل الى المنصور ويعرض عليه ظلامته، في حين أنّ هذه الفرص ليس لها وجود في أيامنا الراهنة، رغم كثرة التجاوزات والاعتداءات على حقوق المواطنين ..!!

2 – أصغى السلطان الى ما قاله المتَظلِم ، وتركه يسترسل في ضرْب المثل، دون مقاطعة او انزعاج ،بينما تجد معظم السلطويين اليوم غير مستعدين على الاطلاق للاصغاء والاستماع لا لأصحاب الشكاوى المتظلمين ولا لغيرهم، لأنهم يشعرون بأنهم مستغنون عن الاستماع للنصائح ..!!

نعم انهم يطربون لأنغام المدائح، التي كثيرا ما يلجأ اليها الانتهازيزن الوصوليون …

ولهذا فقد تراكمت المظالم وتزايدت حالات الاستهانة والاستخفاف بمعظم المواطنين، اللهم الاّ من يملك توصية خاصة من المقامات العليا ..!!

أو من يُقدم (الشفيع الذي لايُرّد) – وهو العطاء النقدي المغري- الذي قد يتجاوز الألاف المؤلفة من الدولارات ..!!

3 – ان المنطلق الرصين ، والعَرْض السليم ، واستخدام المعطيات العقلية والشرعية ببراعة ، يخدم صاحب الحق المهضوم الى حد بعيد .

4 – جاءت المطالبة بالحق المهضوم، متزامنةً مع موسم الوفادة على الله في بيته الحرام ، وكان توظيف هذا الحدث عنصراً مهماً في النجاح .

كان الأمر دائراً بين خيارين :

إما تصدي السلطان لإرجاع الحق الى أهله ،

وامّا التوجه بالشكوى الى الله وفي بيته الحرام ،

وفي هذا من التهديد ما فيه ..

وقد اختار السلطان الخيار الأول وأنهى المشكلة .

اننا اليوم أمام زمرة من السلطويين قد أصمّوا آذانهم عن الاستماع الى مطالب الناس وشكاواهم ، كما أنهم لم يقرعوا قلوبهم القاسية بما يُذكرّهم بأهوال الحساب العسير أمام الله يوم القيامة .

ان استذكار الحساب الإلهي، عنصر مهمٌ للغاية في اجتناب المظالم والمآثم الاجتماعية والسياسيه والاخلاقية …

والاسراع الى انصاف الناس وتمكينهم من الحصول على حقوقهم كاملة غير منقوصة .

وان الانغماس في بحار الغرور ، يقود الى الارتطام بالكثير من الخطايا والجرائر وغرائب الأمور .

أحدث المقالات

أحدث المقالات