عندما يكتب السلاطين التاريخ عبر مرتزقة الكتابة والثقافة ممن يلهث خلف الدينار والواجهة بدون وازع من ضمير فان الويلات سوف تحل على الأمة التي تأخذ ذلك التاريخ متسالماً، فكيف بها إذا قدست ذلك التاريخ وجعلته كتابا مُنزلاً بل هو أهم عندها من كل الكتب السماوية. والطامة الكبرى ستحل بالأمة عندما يكون هذا الكاتب للتاريخ ذا خلفية طائفية لا يهمه إلا تزويق طائفة وتسقيط أخرى، فأي تاريخ سيكتب حينئذ؟
سوف لن تجد إلا قلب الحقائق وتغيير الوقائع وتاريخ لا يسر الناظرين لا يكون فيه ما ترتقي به الأمة، بل سوف يكون وبالاً عليها وممزقاً لها وحجر عثرة في وجه حركتها وسبباً في تخلفها عن بقية الأمم.
وهذا ما حدث للأمة الإسلامية حيث كتب تاريخها بعض ممن يتملق للسلطات الحاكمة وأصحاب الخلفية الطائفية حتى دونت أقلامهم كل التناقضات على أساس خدمة السلاطين والطائفة والأفكار المنحرفة، فما كان من الأمة إلا أن تقدس تاريخ سلاطين عاشوا بين الخمر والعهر وسرقة الأموال العامة وهضم الحقوق، ولهذا تجد أن الأمة مصابة بهذه الأمراض لهذه الساعة كونها تنشدُّ إلى هذا التاريخ الذي يساهم بدرجة أو أخرى في بناء شخصية الأمة من حيث تدري أو لا تدري.
ومن تلك القضايا الأسطورية التي أصبحت وكأنها حقيقة بفضل مرتزقة التاريخ وأموال السلطان وسيفه البتار على أبناء الشعب هو ما اختلقه المنهج التكفيري التيمي بتحميل ابن العلقمي سبب سقوط الحضارة الإسلامية وسبب سقوط بغداد عاصمة الخلافة وسيطرة هولاكو على الأراضي الإسلامية في عملية كذب وخداع لكي يدفع أصحاب المنهج التكفيري عن أئمتهم من سلاطين الجور عار الهزيمة وترك الأراضي الإسلامية تسقط واحدة تلو الأخرى وهم لاهون بمجونهم وخمرهم وجواريهم.
وفي المحاضرات التاريخية للمرجع المحقق السيد الصرخي (وقفات مع .. توحيد التيمية الجسمي الأسطوري) التي تبث مباشرة من على النت بواقع محاضرتين أسبوعياً بين لنا المرجع المحقق فيها وخصوصاً المحاضرة السابعة والثلاثون مدى الكذب والافتراء على ابن العلقمي إلا لأنه شيعي، وهكذا صوروا إن الحضارات الكبيرة تسقط وتتهاوى بلحظة وليس عبر عوامل موضوعية وأسباب متدرجة تساهم في سقوطها، وان من أسباب سقوط الدولة الإسلامية عزلة الحكام عن شعوبهم وحالة الترف بينا الناس تعيش في فقر، والفسوق والمجون باسم الإسلام والخلافة الإسلامية وسيطرة الأعاجم على مصادر القرار ووعاظ السلاطين وسرقة الأموال العامة من قبل الخليفة والحاشية وعدم الاهتمام بالجيش والصراع من أجل السلطة والكرسي والكثير من الأسباب التي غض أصحاب الفكر التيمي عنها الطرف ويضعون الوزر على ابن العلقمي بينما ابن العلقمي بريء من تلك التهمة.
ويقول المرجع المحقق الصرخي الحسني : ق ـ ففي تاريخ الإسلام: مجلد48/(ص:32) قال الذهبي{{[سنة خمس وخمسين وستمائة]: [مسير هولاكو إلى بغداد]:
(1) وفي سنة خمسٍ(655هـ) سار هولاكو من هَمَدان قاصدا بغداد، (2) فأشار ابن العلقميّ الوزير على الخليفة ببذل الأموال والتحَف النّفيسة إليه،
(3) فثنّاه عن ذلك الدّويدار وغيره، وقالوا: غرض الوزير إصلاح حاله مع هولاكو.
(4) فأصغى إليهم وبعث هديّة قليلة مع عبد الله ابن الجوزيّ،
(5) فتذمّر هولاكو وبعث يطلب الدوَيْدار وابن الدوَيْدار وسليمان شاه فما راحوا!! (( هذا رد على ابن تيمية وأئمّته وأتباعه وعلى أفكهم وافتراءاتهم ومنهم ابن كثير، ابن كثير قال: أول من خرج إليهم ابن العلقميّ. لاحظ: الذهبي هنا يبيّن أنّ ابن الجوزي هو أوّل من خرج إلى المغول ومعه وفد))
(6) وأقبلت المغول كاللّيل المظلم،
(7) وكان الخليفة قد أهمد حال الْجُنْد وتعثّروا وافتقروا، وقُطِعت أخبازهم، ونُظِم الشعْر فِي ذلك، فلا قوّة إلّا باللَّه }}
ر ـ لاحظوا بسبب سفاهات وتفاهات وصبيانيّة الخليفة تذمّر هولاكو، فلو استجاب الخليفة لنصيحة ابن العلقميّ لَما تذمّر هولاكو، ولَما تحرَّك أصلا إلى بغداد، ولقبِل بحصّة من خراج وضرائب البلاد، وَلَأبقى الخليفة في منصبه كما أبقى لؤلؤ صاحب الموصل، فيكون دعاء الخليفة ومؤسسات الخلافة لهولاكو والمغول كما كانوا يدعون للسلاجقة من قبلهم.
ش ـ صار واضحًا جدًّا أنَّ موقف ابن العلقميّ الذي ينقله أئمّة التجسيم التيميّ أئمّة التدليس والافتراء، يُثبت يقينًا براءة ابن العلقميّ من كلّ ما قيل عنه من أكاذيب وأساطير، ويُثبت أيضًا تفاهة وخفة عقول وغباء أئمّة التدليس ومن يصدّقهم كالبهائم]].
وهذه المحاضرة وما قبلها أوضحت بصورة جلية الحاجة الماسة لإعادة قراءة التاريخ والموروث الإسلامي من أجل وقف التدهور الذي تسير فيه الأمة في حاضرها.