ما إن تقترب مواعيد الانتخابات البرلمانية، التي تتكرر كل أربع سنوات، حتى تمتلئ شوارع المدن بصور المرشحين ولافتاتهم الانتخابية، حتى تكاد أحيانًا تحجب الرؤية في بعض الشوارع.
وخلال تجوالي في مدينة الموصل وشوارعها الخارجية، لاحظت أن حجم الصور واللافتات هذا العام ليس كما في السابق، بل إن أغلب المرشحين، وخاصة رؤساء الكتل السياسية، قد استحوذوا على مساحات واسعة في الساحات العامة والفراغات المتروكة، وأقاموا سياجات حديدية ضخمة ليضعوا فوقها صورهم. لقد غطت هذه الصور وجه المدينة في كل مكان.
نحن لا نعترض على كونها دعاية انتخابية، فهذا أمر طبيعي في كل دول العالم، ولكن يبقى السؤال الأهم: من أين جاءت هذه المليارات يا رؤساء الكتل؟ لقد وصلت كلفة الدعايات الانتخابية هذه المرة في عموم العراق إلى أرقام خيالية أشبه بالأساطير!
أليس من الأجدر، يا حكومتنا الرشيدة، أن تكون هناك قوانين تحدد سقف الإنفاق الانتخابي، وتلزم كل مرشح بالمساهمة بمبلغ مالي في بناء مستشفى أو مدرسة داخل محافظته بدلًا من هذا البذخ غير المبرر؟ أليس من الواجب أن تكون هناك ضوابط تنظيمية لكل عملية انتخابية تمنع هذا الإسراف المفرط؟
ما نشاهده اليوم في الشوارع دليل واضح على أن العراق وصل إلى أعلى درجات الفساد في مؤسسات الدولة. وإلا فمن أين لرئيس كتلة، أو عضو برلمان، أو مرشح جديد، كل هذه المبالغ الطائلة التي تُهدر على الصور واللافتات؟
رسالتي إلى السيد رئيس الوزراء:
أما ترى بعينك ما يجري في الشوارع؟ ألا تعلم أن المستشفيات تعاني من نقص حاد في الأدوية، وأن الناس تواجه ظروفًا معيشية قاسية، وأن المدارس في أغلب المدن العراقية تعاني من شح حقيقي في أبسط الاحتياجات؟
إن ما يُرفع من شعارات وصور يوحي وكأن المرشحين سينتشلون العراق من الفقر إلى الرفاهية. ولكن الحقيقة التي يعرفها الجميع أن أصواتنا تذهب في الغالب إلى أشخاص لا همَّ لهم سوى ملء جيوبهم من أموال النفط وخيرات هذا الشعب المغلوب على أمره.
أيها الساسة، اتقوا الله في شعبكم، فالمعاناة بلغت بأُسرٍ كثيرة أن تتسول من مكتب مرشح إلى آخر، تستجدي خمسين ألف دينار مقابل وعد بالتصويت له. لقد أصبح الفقر والعوز سلاحًا يُستخدم لشراء أصوات الفقراء، سواء صدقوا المرشحين أو كذبوا عليهم.
لقد وصلت مبالغ الدعاية الانتخابية هذه المرة إلى أرقام لا يمكن لعقل أن يصدقها. فهل صار كل عضو برلمان يمتلك المليارات؟ وهل يُعقل أن الرقابة والقضاء عاجزان عن إيقاف هذا الفساد عند حدوده؟!
لقد أُلغيت عمليًا عبارة “من أين لك هذا”، فالشوارع ولافتاتها خير شاهد على حجم التبذير.
لك الله يا عراق، ولك العون يا شعبه المسالم في إصلاح الحال.
وأسفًا ثم أسفًا على ديمقراطية تُختزل في صور ولافتات ومؤتمرات انتخابية وصل البذخ فيها إلى أعلى المستويات الخيالية.