17 نوفمبر، 2024 2:45 م
Search
Close this search box.

بدون مؤاخذة-مقام النبي موسى مرّة أخرى

بدون مؤاخذة-مقام النبي موسى مرّة أخرى

لاحقا بمقالتنا يوم أمس المعنونة بـ “مقام النبي موسى تاريخ وحضارة”*، يجدر التّأكيد بأنّ النّبيّ موسى -عليه السّلام- وبإجماع المؤرّخين والباحثين لم يدخل فلسطين مطلقا، وقد ورد في سورة المائدة من القرآن الكريم” قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ”، ومعروف أنّ قبور الأنبياء جميعهم باستثناء أبو الأنبياء ابراهيم المدفون في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وخاتم النّبيّين محمد المدفون في المسجد النّبويّ في المدينة المنوّرة-عليهما الصلاة والسلام مجهولة.

وأغلب المؤرّخين يؤكّدون” أنّ الذي بنى المقام هو القائد المملوكي الظاهر بيبرس، فقام ببناء المسجد والأروقة عام 1265م، وأوقف عليه الكثير من العقارات والأراضي، ولم تتوقّف عمليات إعماره والإضافة إليه حتّى العهد العثمانيّ.”

علما أنّ إقامة المقامات والأضرحة بدأت في عهد الأيّوبيّين، وصار لها مواسم احتفاليّة حاشدة مصاحبة لعيد الفصح عند المسيحيّين، كردّ على الفرنجة -كما سمّاهم المؤرّخون المسلمون- الذين غزوا بلاد الشّام، لنهب خيراتها واحتلّوا القدس عام 1099م، وقتلوا جميع مواطنيها الذين احتموا بالمسجد الأقصى، وكان عددهم سبعين ألفا، دفنوا في قبر جماعي في مقبرة مأمن الله، التي جرفها المحتلون الإسرائيليّون، وتقع على بعد حوالي مائتي متر غرب باب الخليل. في حين سمّاها المؤرّخون الفرنسيون “الحروب الصّليبيّة”، ورفعوا الصّليب في مقدّمة جيوشهم الغازية تحت شعار “تحرير القبر المقدس” في تحالف بين ملوك أوروبا والكنيسة، واستغلّوا العاطفة الدّينيّة للرّعاع لتجنيدهم في تلك الحرب.

وعندما حرّر العرب والمسلمون القدس عام 1187 بقيادة صلاح الدّين الأيوبيّ

” وهو من كُرد الشّام”، ابتدع المقامات ومواسمها متزامنة مع عيد الفصح المسيحيّ كرسالة منه للطّامعين والغزاة الفرنجة -وليس لمسيحيّي البلاد-، بأنّ للقدس وأكنافها مواطنين قادرين على حمايتها.

أهمّيّة إقليميّة

” هناك ما يدلّ على أنّ هذا الموسم اكتسب سابقا أهمّيّة إقليميّة، حيث كانت وفود من بعض مدن الشّام تشارك فيه، مثل دمشق، وتظهر بعض النّقوش على المقام، أنّ الإهتمام به وإعماره في بعض المراحل، استحوذ على اهتمام من خارج فلسطين، مثل إعماره عام 1717م على يد علي كتخدا أحد أعيان مصر في زمنه، وإصلاحه عام 1819م بأمر والي صيدا وطرابلس عبد الله باشا الذي أضاف إليه رواقا. وفي السّابق كان المشاركون ينتشرون في خيمهم على امتداد الصّحراء المحيطة بالمقام، حيث يعيشون حياة تتخلّلها بعض الطّقوس مثل حلق شعر أطفال أو ختانهم.”

” التّاريخ المعاصر

في التّاريخ الفلسطيني المعاصر، ارتبط مقام النّبّيّ موسى بالزّعيم الفلسطيني الحاجّ أمين الحسيني، حيث كان يقود المواكب التي تأتى من كلّ مناطق فلسطين، تسبقها المسيرات الشّعبيّة، وفي كلّ منطقة تمرّ منها المواكب، يخرج أهلها للإنضمام إليها، وبعد أن تمكث الوفود في المقام وحوله فترة الموسم، تعود إلى القدس بموكب حاشد تنشد فيه الأناشيد الوطنيّة والدّينيّة. ومنذ عام 1919م، قرّرت قيادة الحركة الوطنّيّة الفلسطينيّة استثمار احتفالات النّبّيّ موسى للتّحريض ضدّ الانتداب البريطانيّ الدّاعم للهجرة الصّهيونيّة. وفي العام التالي 1920، خطب في الوفود القادمة من مختلف المناطق زعماء تلك الفترة أمثال موسى كاظم الحسيني وأمين الحسيني، وكان وصول وفد جبل الخليل إلى القدس، في ذلك العام الشّرارة التي أطلقت ما عرف في التّاريخ الفلسطينيّ المعاصر بثورة العشرين.

وبعد قدوم السّلطة الفلسطينيّة إلى منطقة أريحا عام 1994، سمحت سلطات الاحتلال للفلسطينّيين باستخدام ممرّ ضيّق لموقع المقام. ورغم الوجود العسكريّ الإسرائيلي المكثّف في المناطق القريبة”بقيعة السّواحرة” والمعلنة مناطق عسكريّة، تداعت مؤسّسات أهليّة ورسميّة لإحياء الموسم” كما كان يحدث منذ تحرير القدس على يد صلاح الدّين الأيّوبي، ولكنها بقيت احتفالات متواضعة، لم تأخذ الطّابع الوطنيّ الجماهيريّ بسبب قيود الاحتلال.” “موسوعة ويكيبيديا”.

وصف للمقام

من غير الصّواب وصف المقام بأنّه مسجد، وإنّما هو”خان” أي فندق -حسب التّسميات الحديثة” وفيه مصلّى في داخله قبر مكسوّ بقماش أخضر اللون، وهذا المصلّى يشغل مساحة صغيرة من الجانب الغربيّ للمقام، ويقع على يسار الدّاخل للمقام، ومن غير المعتاد أن يبني المسلمون مسجدا في مكان قاحل يخلو من النّاس. والمقام يكاد يكون مربّع الشّكل تتوسطه قاعة مكشوفة وغير مسقوفة تقام فيها حلقات احتفالات شعبيّة.

“ويضم مقام النّبيّ موسى الآن إضافة للقبر والمسجد عشرات الغرف وإسطبلات للخيل ومخبزا قديما وآبارا، وتمتدّ في الخلاء حوله مقبرة، يدفن فيها من يوصي بذلك. وكانت بعض العائلات من خارج فلسطين تدفن موتاها في هذه المقبرة مثل عشيرة العدوان الأردنيّة، وتوقّف ذلك بسبب الاحتلال. وكانت تستعمل غرفة العائلات التي كانت تأتي من شتّى المناطق الفلسطينيّة؛ لتشارك في موسم النّبيّ موسى”.”موسوعة ويكيبيديا”.

وحتّى يومنا هذا يدفن بعض البدو الرّحّل من مهجّري منطقة النّقب موتاهم في المقبرة القريبة من المقام.

والمقام مكوّن من طابقين تعلوها قباب، مقسّمة إلى غرف تتقدّم مداخلها أقواس حجريّة على نمط المعمار المملوكيّ الإسلاميّ، وفي أيّام المواسم تبيت فيها بعض العائلات. وفي الجانب الغربيّ للمقام بركة ماء.

تاريخ شفويّ

وممّا يروى في التّاريخ الشّفويّ الذي يتناقله الأبناء عن الآباء والأجداد أنّه في أيّام موسم النّبي موسى في العهد العثمانيّ كانت تشارك فيها وفود من الأقطار العربيّة والإسلاميّة، ومنها فرق للسّيرك من الهند وباكستان.

وممّا يرويه أهلنا في عرب السّواحرة والذين تمتدّ أراضيهم من قمّة جبل المكبّر حتّى البحر الميّت جنوبا ونهر الأردنّ شرقا، أنّه في القرن التّاسع عشر، وفي موسم النّبيّ موسى التقت فرقتا “سيرك” من بلدين مختلفين، وكما يبدو أنّهم من الهند، وكلّ فرقة ترتدي ملابس متشابهة ومختلفة، ويقدّمون ألعابا سحريّة وبهلوانية، وذات يوم ارتدى المرحوم محمد سلامة شقيرات ملابس تشبه ملابس إحدى الفرق، التي يقوم أحدهم بالإنحناء أمام شخص من الفرقتين ويقول”كَوّس”، فيضربه الآخر بالسّيف ويقسمه إلى نصفين في خدعة سحريّة أمام الجمهور، ثمّ لا يلبث “المقسوم” أن يعود حيّا. واقترب أحدهم من المرحوم محمّد سلامة شقيرات” وانحنى أمامه ظنّا منه أنّه من الفرقة الأخرى التي تشاركهم الألعاب السّحريّة، وقال “كَوَّس”، فضربه بالسّيف كما كانوا يفعلون وقتله فضجّ الحضور، وهرب “شقيرات” ومن معه من عرب السّواحرة من المكان، ولا يزال أحفاده حتّى يومنا هذا يحملون لقب” دار كَوَّس”.

احتفالات شعبيّة

وفي أيّام الموسم يصطفّ عدد من باعة الحلوى الشّعبيّة، مثل ” حلاوة النّبي موسى”، وهي صينيّة من الحلوى الصّلبة التي تكسر “بالشّاكوش”، لتباع قطعا للأطفال، وهذا ما شهدته في طفولتي في العهد الأردنيّ قبل الاحتلال، وفي عهد السّلطة الفلسطينيّة أيضا.

وفي السّاحة غير المسقوفة وسط المقام، شاهدت فرق الإنشاد الدّينيّ والاحتفالات الشّعبيّة مثل السّامر والدّبكات الشّعبيّة، التي يصاحبها الأرغول والشّبّابة والمجوز، والطّبلة، وكذلك الزّجل الشّعبيّ، وبحضور رجال دين مرموقين.

عودة إلى التّاريخ

كان مفتي فلسطين الحاجّ أمين الحسيني زمن الإنتداب يمتطي فرسا في الموسم، ويرفع بيرق النّبيّ موسى أخضر اللون، والموجود حتّى يومنا هذا في المتحف الإسلاميّ في المسجد الأقصى، ويتقدّم آلاف النّاس منطلقا من المسجد الأقصى معلنا بدء الموسم، وهم يهتفون خلفه:

سيف الدّين الحاجّ أمين.

مكافحة المخدّرات مرة أخرى

ومن أمريكا كتبت لنا ابنة القدس نفوذ المفتش تعقيبا على مقالة يوم أمس أنشرها كما وردتني:

في عيادة المرحوم الطبيب صبحي غوشة طلب مساعدة مالية محمد حجازي المسؤول الإداري لجمعية الهدى لمدمني المخدرات، وكانت من عادة الطبيب غوشة أن لا يقول لا لأيّ كان من أهل القدس يطلب المساعدة. ومن هنا نشأت العلاقة بين الإئتلاف المقدسي لمكافحة المخدرات وجمعيه الهدى.

تألف الائتلاف المقدسي لمكافحة المخدرات قبل ذلك بقليل من أربع جمعيات في عمّان وهي: جمعيّة يوم القدس ويمثّلها الطبيب صبحي غوشة، حيث كان رئيسا للائتلاف، وجمعية حماية القدس ويمثلها الأخ عبد سبيتان وأحمد النّجار ، وجمعيّة نساء من أجل القدس، وكنت أمثّلها في البداية، ثم انتقل تمثيلها إلى رئيسة الجمعية نوال حشيشو، وجمعية المنتدى ويمثّلها ماهر النّمري. أمّا أنا فاستمرّيت على الهيئة الإدارية وصرت أمثّل جمعية يوم القدس أيضا.

كان لجمعية الهدى مركزان أحداهما في مخيم شعفاط حيث ينزل به من يريد التّعافي، وبعد فترة من الزّمن ينقل الشّخص إلى القسم الغربي من مقام النّبيّ موسى الذي يستعمل لعلاج مدمني المخدّرات، ولتعديل السّلوك الإدمانيّ، فحافظوا على المكان وحسّنوا به. ولتأهيلهم للحياة العمليّة أنشأوا في الجهه الشّرقيّة من البناء مشتلا لعدد كثير من أنواع الزّراعة التي دفع الائتلاف في عمّان تكاليف المشتل، ولكن بسبب التّربة الجيريّة لم ينجح المشروع . ومن النشاطات المختلفة التي فام بها الائتلاف :دفع رواتب الأطبّاء من طبيب نفسي دوام جزئيّ، وطبيب عام دوام كامل. شاركنا أو شارك الائتلاف بإرسال بعض المتعافين لآداء العمرة. ثمّ توزيع سلة رمضان على أُسَر المدمنين.

لقد ألفْنا لجنة استشارية في القدس؛ لتقوم مقام الائتلاف من أعضائها عصام جويحان، انعام سنقرط، معتصم ادكيدك، سمير الطرمان، علاء خروب ومحمد حجازي وقد حضرت أحد اجتماعتهم في برج اللقلق في القدس القديمة.

وعندما آلت الرّئاسة إلى عبد سبتان طلب من محمد حجازي أن يرد على سؤال أرسلته له اللجنة، وحتى الآن لم يرد على السّؤال، وبهذا انتهت العلاقة.

ولقد كنت مع محمد حجازي عندما أخذ ورقة منح إدارة الأوقاف الإسلامية لقطعة الأرض في جبع، والتي كانت جزءا من أراضي الأوقاف الإسلامية، أنشأ عليها مركز علاج تأهيلي آخر. ولكن علاقة محمد مع الطبيب غوشة استمرّت إلى أن توفى الله الطبيب صبحي غوشة.

*https://www.jamilsalhut.com/?p=4272

أحدث المقالات