18 ديسمبر، 2024 10:51 م

بدون مؤاخذة -شعب الجبارين شعب القيادات

بدون مؤاخذة -شعب الجبارين شعب القيادات

ما أن صدر المرسوم الرّئاسي بتحديد موعد للإنتخابات التّشريعيّة الفلسطينيّة في مايو القادم، حتّى بدأت الكولسات الشّلليّة والعائليّة والعشائريّة والحزبيّة والتنظيميّة، والكلّ يريد أن يكون عضوا في المجلس التّشريعيّ، ظنّا منه بأنّه حامي حمى فلسطين الوطن والشّعب، وأنّه لا يوجد في شعب الجبّارين من هو أكفأ منه! فهو علّامة العصر والمثقّف والمناضل الوحيد الذي لا تلين له قناة، وإذا ما عددنا من يطمعون بعضويّة المجلس التّشريعي فإنّهم بالآلاف، مع أنّ عدد أعضاء المجلس هو 132 عضوا. وحتّى في التّنظيمات والأحزاب فإنّ “الأبوات” لا يرون من هو أكفأ منهم، وحتى هناك شلليّة وكولسات بين بعض القيادات ضدّ البعض الآخر! وهذا يذكّرني بالقصّة التي كان يرويها الرّئيس الرّمز الرّاحل ياسر عرفات وهو يضحك، وملخّصها “أنّه في سبعينات القرن العشرين استنجدت به أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند وزعيمة حزب المؤتمر الهندي، طالبة مساعدته في الإنتخابات، حيث يوجد فلسطينيّ في الهند جاءها طالبا وفشل في دراسته، والتفّ على قبيلة هنديّة يبلغ عدد أفرادها خمسة عشر مليون شخص، وزعيمهم يعتبر نفسه آلهة ويعبده أتباعه، فتقرّب الفلسطينيّ من الزّعيم الآلهة، الذي توفّي بعد أن أوصى للفلسطينيّ أن يكون خليفته في ألوهيّة القبيلة. فأرسل الزّعيم الفلسطينيّ أحد موظّفي السّفارة الفلسطينيّة ليستدعي “الفلسطينيّ الآلهة”! فوافق الأخير على ذلك بشرط أن يستقبله عرفات بما يليق به كآلهة! وعندما التقيا سأل الرّئيس عرفات “الآلهة” عن قصّته، فسأله الآلهة عن عدد الشّعب الفلسطينيّ، وأتبع سؤاله سؤالا آخر: هل يؤيّدونك كلّهم؟ فأجاب الرّئيس: طبعا لا. فقال الآلهة: أنا يعبدني خمسة عشر مليون شخص! فردّ عليه أبو عمّار: ومشكلتي أنا أنّ كلّ شخص في شعبي يعتبر نفسه آلهة”!

وأنا أتساءل بدوري: هل كلّ أبناء شعبنا قيادات؟ ومن يغذّي ذلك؟ وفي الواقع أنّ التّنظيمات والأحزاب كلّها تغذّي هذه الفكرة دون قصد ودون أن تدرك عواقبها الوخيمة، ومثال على ذلك أنّه عندما يستشهد شخص ما بغض النّظر عن سبب استشهاده، فإنّهم ينعونه “بالشّهيد القائد”! وكذا بالنّسبة للأسرى، وغير ذلك كثير ممّن يعتبر نفسه “قائدا بحجم الوطن”! دون أن يدرك هو ومن يصفّقون له مدى سخفهم واستهزائهم بالوطن بقوله هذا! فهل شعبنا كلّه قيادات؟ وهل لا يوجد عندنا جنود وأفراد عاديّون؟ وهل نتّعظ من تجارب وأخطاء الماضي؟ وهل نتذكّر انتخابات عام 2006 وأنّ أحد أسباب خسارة حركة فتح هو تشتّت الأصوات من خلال من ترشّحوا كأفراد، أو من قاطعوا الإنتخابات لأنّهم لم يترشّحوا؟

وبصفتي أنحدر من أصول بدويّة فسأروي لكم حكاية بدويّة تقول: “أنّ ابنتين لشيخي قبيلتين التقتا وتمازحتا، فقالت إحداهما للأخرى: قبرتِ أهلك! فردّت عليها الثّانية: أسأل الله أن يكثر شيوخ قبيلتك! وعندما عادت الثّانية إلى بيتها روت لأبيها ما حصل بينها وبين بنت شيخ القبيلة الأخرى، ووصفتها بالهبلاء! فردّ عليه أبوها: أنت الهبلاء وليست هي! لأنّه إذا كثر شيوخ قبيلتنا فإنّها ستتمزّق وستضعف، وستصبح نهبا للقبائل الأخرى”!

وإذا ما كان من حقّ أيّ إنسان أن يرشّح نفسه كما ينصّ القانون، فإنّه من الحصافة واحترام الذّات أن يعرف كلّ منّا قدر نفسه وقدر غيره أيضا، وأن يضع نفسه في مكانها الصّحيح. والحديث يطول.