18 ديسمبر، 2024 6:22 م

بدون مؤاخذة- سقوط الطاؤوس وخيبة الأتباع

بدون مؤاخذة- سقوط الطاؤوس وخيبة الأتباع

ممّا لا شكّ فيه أنّ انتخابات الرّئاسة الأمريكيّة ليست شأنا أمريكيّا داخليّا فحسب كما بقيّة النتخابات في دول العالم، لأنّ السّياسة الأمريكيّة تتخطّى حدود أمريكا بكثير، لتلامس العالم أجمع، فأمريكا بصفتها الدّولة الأعظم والأقوى تفرض هيمنتها على غالبيّة الكرة الأرضيّة خصوصا بعد انهيار الاتّحاد السوفييتي في بداية تسعينات القرن العشرين، ونصّبت نفسها شرطيّا للعالم، ترضى عمّن يتبع لها وتشيطن من يختلف معها. وعندما وصل الرّئيس الخاسر ترامب إلى سدّة الرّئاسة الأمريكيّة عام 2016، نفخ ريشه كطاؤوس يفتقد الحكمة والمنطق في سياساته الدّاخليّة والخارجيّة، فعزّز الطّائفيّة والعرقيّة بين أبناء شعبه، وعادى القانون الدّوليّ والشّرعيّة الدّوليّة، كما ناصب العداء للشّعوب التي تسعى لتقرير مصيرها وفي مقدّمتها شعبنا الفلسطينيّ، وقد رهن سياسة أمريكا في الشّرق الأوسط بأيدي بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيليّة اليمينيّة المتطرّفة، وعمل على تأزيم الصّراع بدل حلّه عندما قبل املاءات نتنياهو عليه بما يسمّى صفقة القرن. ووصلت حماقات الطّاؤوس أوجها عندما أعلن بحضور نتنياهو عن تلك الصّفقة بدايات هذا العام عندما قال أمام وسائل الإعلام مفاخرا “بأنّه يجيد عقد الصّفقات” وكأنّ الصّراع مجرّد صفقة تجاريّة! ووصل به التّعنّت والجهل أن ينحاز لإسرائيل بشكل أعمى، دون أن يدري أنّه سيجلب لها ولشعبها العناء وعدم الإستقرار قبل غيرهم بتجهاله الحقوق الطّبيعيّة للشّعب الفلسطيني. ومن خلال فهمه لسياسة القوّة التي يؤمن بها هو وسيّده نتنياهو والقائمة على نظريّة “مالا يمكن حلّه بالقوّة يمكن حلّه بقوّة أكبر.”

ولم يتّعظ الطّاؤوس من فشل غطرسته من خلال تهديداته الفارغة لكوريا الشّماليّة ولإيران. فالرّجل أصيب بالسّعار وهو يرى تراجع الاقتصاد الأمريكي أمام التّطوّر الإقتصادي الهائل في الصّين والهند وغيرهما، فجاء جائحة الكورونا لتزيده حماقة على حماقاته، فلم يستطع التّعامل مع الوباء العالميّ، وحاول أن يحمّل مسؤوليّته للصّين بناء على خيالاته المريضة، واعتقادا منه بأنّه سيطلب تعويضات من الصّين؛ ليعيق تقدّم عجلة الاقتصاد الصّيني.

لكنّ حماقاته تجلّت أكثر من خلال انسحابه من منظّمات دوليّة، والإنسحاب من الإتّفاق النّووي مع ايران خضوعا لرغبة نتنياهو، وفرض حصار مشدّد على ايران وسوريا وكوريا الشّماليّة وغيرها، والعمل على تدمير الاقٌتصاد اللبناني، وإعطائه فلسطين الأراضي الفلسطينيّة بجوهرتها القدس، والجولان السّوريّة المحتلّة، وكأنّ هذه الأوطان جزءا من مزرعته!

لكنّ حماقاته وسطوته واستغلاله لقوّة بلاده، ونتيجة لضعف النّظام العربيّ الرّسميّ وتبعيّة غالبيّة الأنظمة العربيّة خصوصا النّفطيّه فتحت شهيّته ليس لنهب ثروات هذه البلدان فحسب، بل تعدّى ذلك بأن أمر أتباعه بتطبيع علاقاتهم بشكل كامل مع اسرائيل في ظلّ استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينيّة، فإسرائيل التي تعتبر القاعدة العسكريّة الأمريكيّة المتقدّمة في الشّرق الأوسط، أرادها أن تسيطر على المنطقة برمّتها، وهو بهذا يدعم اليمين المتطرّف في اسرائيل، دون الإنتباه لحقوق شعوب المنطقة ومن ضمنهم الشّعب الإسرائيليّ نفسه، فقد أدخل الجميع في صراع طويل المدى، فهل سينقلب السّحر على السّاحر بعد سقوط الطّاؤوس الأمريكيّ في انتخابات الرّئاسة، وهل سيتبعه سقوط اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو؟ وهل ستتهاوى أنظمة التّطبيع العربيّة بعد كشف المستور؟

صحيح أنّ الحزبين الأمريكيّين “الجمهوري والدّيموقراطيّ” يجمعان على دعم اسرائيل وعلى الحفاظ على تفوّقها العسكريّ على جميع دول المنطقة، وأنّ بايدن الرّئيس المنتخب سيحافظ على انحياز بلاده لإسرائيل، لكنّ إدارته لن تكون حمقاء بمقدار حماقات ترامب، ولن تنجرّ في تهديد السّلم العالميّ كما كانت إدارة ترامب. وبالتّأكيد فإن خسارة ترامب لانتخابات الرّئاسة الأمريكيّة هي في مصلحة أمريكا وشعبها، ولو فاز في الإنتخابات فلربّما عجّل بانهيار أمريكا وبتمزيق وحدة ولاياتها، وبالتّالي سيريح العالم من شرورها، لكنّ ذلك سيصاحبه شنّ حرب كونيّة ستقضي على الحياة فوق الكرة الأرضيّة.