بعد الويلات وجرائم الحرب التي شهدها العالم في الحرب الكونيّة الثّانية، اتّفقت دول العالم على اتّفاقات تحفظ حقوق الإنسان وتعاقب من يرتكب جرائم حرب، ومن هذه الإتّفاقيّات “اتفاقيّة جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكريّ”، وتبعتها “اتّفاقات ولوائح حقوق الإنسان العالميّة.” ولعلم من لا يعلم فإنّ أوّل من سنّ قوانين الحرب وحقوق الإنسان من البشر قبل 1420 سنة هو أبو بكر خليفة المسلمين الأوّل، وممّا أوصى به جيشه وهو ذاهب إلى الحرب:” يا أيها النّاس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنّي، لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا أو شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة، وسوف تمرّون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصّوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم الله عليها.”
وعندما نزلت أوّل مركبة فضائيّة على المرّيخ قبل بضعة أيّام قرّر المدّعي العام في محكمة الجنايات الدّوليّة فتْح التّحقيق بجرائم الحرب التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها المحتلّون الإسرائيليّون في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة في العام 1967، وهي الضّفة الغربيّة بجوهرتها القدس وقطاع غزّة، فغضب قادة اسرائيل التي يعتبرها “العالم الغربي” “واحة الدّيموقراطيّة في الشّرق الأوسط”، واعتبرت قرار المحكمة الدولية “عداء للسامية”! وعارضت أمريكا القرار بشدّة. فهل يعني هذا أنّ حقوق الإنسان مسموح لإسرائيل وأمريكا انتهاكها؟
وهل مسموح لهما ارتكاب جرائم الحروب؟ وهل يتساوى البشر جميعهم في حقوق الإنسان؟ وهل دماء البشر متساوية؟ وهل القويّ مسموح له بارتكاب الموبقات المحرّمة على غيره؟
وإذا عدنا إلى تاريخ ما بعد الحرب العالميّة الثّانيّة سنجد أمريكا التي خرجت من الحرب العالميّة الثّانية بأقلّ الخسائر، وأصبحت الدّولة العظمى الأولى في العالم قد شنّت حروبا ظالمة بعد أن جيّرت اقتصاد العالم لصالحها، ودمّرت بلدانا وقتلت عشرات الملايين من البشر، وهذا ما حصل بشكل واسع في كوريا، فيتنام، كمبوديا، العراق، أفغانستان وغيرها، عدا عن حروب الوكالة التي شنّها أتباعها عنها. وهذا لا يعني غضّ النّظر عن الحروب والجرائم التي ارتكبتها الدّولتان الإستعماريّتان بريطانيا وفرنسا ولا تقلّ عن الجرائم الأمريكيّة. أمّا اسرائيل فقد قامت بمساعدة الأمبرياليّة العالميّة على فلسطين بعد أن نكبت شعبها ودمّرت وقتلت وشرّدت هي الأخرى الملايين.
ومن عهر القوّة والذي لم يعد عجيبا ولا غريبا في هذا العصر هو من يدّعون أنّهم يحافظون على حقوق الإنسان! ويشيطنون دولا ويفرضون “عقوبات” على دول وشعوب تعارضهم، مع أنّهم هو أنفسهم الشّيطان بعينه! بل هم بسياساتهم الحمقاء أكثر شيطنة من الشّيطان نفسه! وقد أصاب الإمام الخميني عندما وصف أمريكا بـ “الشّيطان الأكبر”! فهي تتغاضى عن الجرائم بحق الإنسانيّة التي ترتكبها ويرتكبها أتباعها في دول أخرى، بل هي توفّر الحماية لهم. فهي الدّاعم الأكبر لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربيّة، وتغضّ النّظر عن السّلاح النّووي الإسرائيليّ، وكأنّ هذا السّلاح لصالح البشريّة! علما أنّ أمريكا ملتزمة بأمن اسرائيل وحمايتها أكثر من التزامها بحماية أمريكا نفسها! في حين تفرض حصارا محكما على كوريا الشّماليّة لأنّها امتلكت السّلاح النّوويّ، وتفعل الشّيء نفسه مع ايران بسبب مفاعلاتها النّوويّة التي أعلنت مرّات كثيرة أنّها للأغراض السّلميّة كتوليد الطّاقة الكهربائيّة!
وحروب أمريكا وإسرائيل كلّفت عشرات ترليونات الدّولارات، ولو عملتا على تحقيق السّلام العادل، وعدم التّدخّل في شؤون الدّول والشّعوب الأخرى لوفّرت هذه الأموال، ولحقّقت السّلام لنفسها ولشعوبها قبل غيرها.
ويبقى السّؤال: هل حقوق الإنسان للشّعوب القويّة دون غيرها؟ وهل القانون الدّولي هو القانون الذي يفرضه القويّ ويحفظ مصالحه على حسب مصالح الآخرين؟