تقول حكاية شعبيّة أن والدة جحا سألته عن الأسباب التي خزقت طاقيّته فأجابها: لأنّه يقول الحقّ. فقالت له: قل الحقّ ولا تخش أحدا وأنا سأحميك من الآخرين! فعاد يسألها: هل أنت متأكّدة ممّا تقولين؟ فأجابته بالإيجاب، عندها سألها: كيف حملتِ وأبى متوفّى منذ خمس سنوات؟ فانهالت على رأسه ضربا بحذائها حتّى أدمته ومزّقت طاقيّته.
وبما أنّ الشّيء بالشّيء يقاس، فإن السّؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الجريمة التي ارتكبها قرداحي عندما وصف قبل تعيينه وزيرا في الحكومة اللبنانيّة بشهر الحرب على اليمن بأنّها “عبثيّة” ودعا لوقفها؟ وهل تستدعي هذا التّصريحات هذه الضّجّة وما ترتّب عليها من عقوبات اقتصاديّة ودبلوماسيّة على لبنان؟ وهل جورج قرداحي هو من يشعل الحروب ومن يوقفها؟ وهل هذه الحرب الظالمة المستمرّة على اليمن منذ العام 2015 حرب عادلة؟ وهل ما يسمّى “بالتّحالف العربي الإسلاميّ” يشنّ حربه على جماعة أنصار الله في اليمن دفاعا عن العرب والمسلمين؟ وهل تدمير اليمن وقتل وتشريد شعبه يخدم الأمّتين العربيّة والإسلاميّة؟ وبما أنّ إيران”الشّيعيّة” تدعم جماعة أنصار الله في اليمن، فكيف أصبح إخوتنا في الإسلام زمن الشّاه كفّارا وأعداء بعد ثورة الخميني؟ وكيف صارت اسرائيل التي تحتلّ الأراضي العربيّة حليفة تعقد معها تحالفات تجاريّة وأمنيّة وعسكريّة؟ وهل إسرائيل بتطبيع العلاقات معها تدافع عن الإسلام “السّنّيّ”؟ ولمصلحة من هذه الحرب الإجراميّة على اليمن؟ وهل جماعة أنصار الله هم من بدأوا الحرب؟ وهل أخطأوا عندما يطالبون بوقف العدوان على بلدهم وسحب القّوات الغازيّة من أراضيهم؟ وهل الشّيعة في اليمن وغيرها “كفّار”؟ وهل هم طارئون على اليمن أم موجودون منذ ظهور المذهب الشّيعي؟ وهل الحرب الظّالمة على اليمن بعيدة عن الحروب التي اشتعلت في العراق وسوريا ولبنان وقطاع غزّة والجزائر والصّومال وغيرها، والإجابة الصّحيحة على هذه الأسئلة وغيرها تقودنا إلى الوقوف على أسباب هذه الحرب، ولمصلحة من مواصلتها؟
ومن يتابع ما يجري على السّاحة العربيّة لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء ليجد أنّ هذه الحروب هي حروب بالوكالة لتطبيق المشروع الأمريكي “الشّرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، ومن ثمّ تصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، لتكون السّيادة المطلقة لإسرائيل على المنطقة، التي لا يتعدّى فيها دور العرب دور “الحطّابين والسّقّائين” حسب التّعبير التّوراتي.
وما حرب الوكالة على اليمن سوى جانب من هذا المشروع الأمريكيّ الصّهيونيّ؛ للسّيطرة على مضيق باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، لتأمين الملاحة الإسرائيليّة وتأمين حركة الأساطيل العسكريّة المعادية، وما تفعله الإمارات في جزيرة سوقطرة أكبر دليل على ذلك.
وما الحملة المقصودة والظّالمة على تصريح قرداحي العفويّ، وتحميله ما لا يحتمل إلا استمرار في حصار لبنان وتدمير اقتصاده لإشعال حرب أهليّة، تمهيدا لحروب قادمة تستهدف حزب الله اللبناني، وسوريّا، وتندرج تحت تطبيق المشروع الأمريكي آنف الذّكر”الشّرق الأوسط الجديد”. وكنت أتمنّى لو أنّ قادة الخليج احتجّوا على تصريحات ترامب السّابقة عندما وصف أنظمتهم بالهشّة التي سستتهاوى خلال أسبوع لو رفعت أمريكا الحماية عنها.