23 ديسمبر، 2024 12:34 ص

بدون مؤاخذة-النّازيّة ثقافة قديمة جديدة

بدون مؤاخذة-النّازيّة ثقافة قديمة جديدة

” النّازيّون هو الاسم المختصر لحزب العمّال القومي الاشتراكي الألماني، الذي تأسّس عام 1919، في أعقاب الحرب العالميّة الأولى، ونمت شعبّيته في عشرينات القرن الماضي، بعد خسارة ألمانيا للحرب، ومعاناة الألمان من الفقر والبطالة، جرّاء العقوبات المالية التي فُرضت على ألمانيا بعد الحرب.”

“والنّازيّة مذهب سياسيّ أسّسه هتلر الزعيم الألماني”.

وأصبحت النّازيّة مصطلحا للدّلالة على العنصريّة والتّشدّد ضد الأعراق الأخرى.

وفي أيّامنا هذه تتناقل وسائل الإعلام أنّ روسيا شنّت حربها في 24 فبراير الماضي

على أوكرانيا لاستئصال النّازيّة الجديدة منها، ومنعها من الإنضمام لحلف النّاتو وما يترتّب على ذلك من تهديد للأمن القومي الرّوسي ومن ورائها الصّين. فهل النّازيّة والتّعصّب العرقيّ ظهرت فقط في ألمانيا زمن حكم هتلر، الذي شنّ حربا على العالم جميعه، ودمّر أوروبّا وقتل أكثر من سبعين مليون إنسان؛ لترسيخ نظريّته بأفضليّة الجنس الجرماني على جميع الأجناس البشريّة، أم هي موجودة قبله، واستمرّت بعده أيضا؟

وهل يوجد في الثّقافة العربيّة فكر نازيّ؟ وبعيدا عن التّعصّب العرقيّ دعونا نعود إلى التّاريخ، ففي جاهليّة العرب في مرحلة ما قبل الإسلام كانت القبائل العربيّة تغزو قبائل عربيّة أخرى، فكان التّعصّب للقبيلة وليس للقوميّة، وعندما جاء الإسلام لم يعرف العرب والمسلمون التّعصّب العرقيّ، فقد ورد في الحديث النّبويّ الشّريف:” لا فضل لعربيّ على أعجميّ إلا بالتّقوى”. وأوج الحضارة العربيّة الإسلاميّة كان في العصر العبّاسيّ الذي اعتمد خلفاؤه في ترسيخ حكمهم على العجم وقدّموهم على العرب.

وقد شهد التّاريخ أنّ العرب تعاملوا مع الشّعوب غير العربيّة التي دخلت في الإسلام، وصارت بلدانهم جزءا من الدّولة العربيّة الإسلاميّة كمواطنين كاملي الحقوق، وكذلك كان تعاملهم مع أتباع الدّيانات السّماويّة الأخرى، وكثير في عصرنا هذا من يسسيئون عن جهل أو علم لمفهوم “الجزية” التي كان يدفعها غير المسلمين لخزينة الدّولة، فهذه الجزية كانت مقابل إعفائهم من الخدمة العسكريّة، خصوصا وأنّ الجيوش الإسلاميّة كانت تشنّ حروبها “الدّينيّة لنشر الإسلام”، وحتّى يومنا هذا توجد دول تأخذ مبلغا ماليّا من مواطنيها مقابل إعافئهم من الخدم الإلزاميّة في الجيش. وعندما هُزم العرب والمسلمون في الأندلس”اسبانيا” وخرجوا منها عام 1492، خرج اليهود معهم هربا من بطش الأوروبّيّين، وانتشروا في المغرب وبقيّة بلدان الشّمال الإفريقي.

والإستعلاء العرقيّ هو وليد الثّقافة الأوروبيّة ثقافة الرّجل الأبيض، الذي يرى نفسه أرقى وأكثر حضارة من الشّعوب الأخرى من ذوي البشرة السّوداء والسّمراء والصّفراء والقمحيّة. وقد شنّ الأوروبّيّون حروبهم على الأعراق الأخرى، فعندما اكتشف كريستوفر كولمبوس عام 1492م أمريكا بالصّدفة، وبدأت الهجرات الأوروبّيّة إليها، شنّوا حرب إبادة ضدّ الأمريكيّين الوطنيّين الذين سمّوهم “الهنود الحمر، وقتلوا منهم عشرات الملايين، وبعد أن استقرّ الأوروبّيّون في أمريكا، غزوا غرب افريقيا ونقلوا بالقوّة مئات آلاف المدنيّين ومنهم أطفال؛ ليكونوا رقيقا في خدمة السّيّد الأبيض، الذي سخّرهم كرقيق في مزارعه، ويبلغ عدد الأفارقة الأمريكيّين الآن في الولايات المتّحدة وحدها حوالي أربعين مليونا.

كما قامت بريطانيا وفرنسا واسبانيا والبرتغال وإيطاليا بغزو واحتلال افريقيا وآسيا، فقتلوا ودمّروا ونهبوا واحتلّوا وسيطروا على البلدان وشعوبها بقوّة السّلاح، وقسّموها تحت شعار” تعمير تلك البلدان وتحضيرها”!

وحتّى يومنا هذا لا يزال الأوروبّيّون يرون أنفسهم الجنس البشريّ الأرقى والأسمى، ويتعاملون مع الأجناس الأخرى بفوقيةّ وتعالٍ ملحوظ. ورغم الإستقلال الشّكلي لبعض الشّعوب والدّول، إلى أنّهم لم يستقلّوا ولم يتخلّصوا من الهيمنة الأوروبّيّة والأمريكيّة حتى يومنا هذا، فالإمبرياليّون لا يزالوا يسيطرون على اقتصاديّات وسياسة من يسمّونهم دول العالم الثّالث، ولا يزالون يشنّون حروبهم بالوكالة عليها مثل الحرب على اليمن منذ العام 2015، أو من خلال احتلالات مباشرة تشارك فيها أمريكا وحلفاؤها الأوروبّيّون في حلف النّاتو مثلما فعلوا مع أفغانستان عام 2001 ومع العراق عام 2003، ومع ليبيا وسوريا منذ العام 2010 وحتّى يومنا هذا.

 

وقد ظهرت قضيّة التّعصّب العرقي للجنس الآري بشكل جليّ في حرب روسيا على أوكرانيا، ففي الوقت الذي فتحت الدّول المجاورة حدودها للاجئين الأوكرانيّين، فإنّها كانت تتعامل بوحشيّة مع غير الأوروبّيين الذين هربوا من اوكرانيا وأكثريّتهم طلاب جامعات.

وبغضّ النّظر عن الصّراع بين الشّرق والغرب والذي يعود لأسباب اقتصاديّة بالدّرجة الأولى، فقد شاهدنا التّعصّب العرقي لأمريكا وحلفائها الأوروبّيّين، من خلال قضيّة الحرب على أوكرانيا، ومع رفضنا التّام لاحتلال روسيا لأوكرانيا، والذي تتحمّل مسؤوليّته أمريكا وحلفاؤها بالدّرجة الأولى، فقد شاهدنا تباكي أمريكا وحلفائها الأوروبّيين على حقوق الإنسان وعلى مأساة اللاجئين الأوكرانيّين، ورصدهم مئات مليارات الدّولارات لمساعدة أوكرانيا اقتصاديّا وعسكريّا، وفرضهم عقوبات تدميريّة هائلة على روسيا، في الوقت الذي يؤيّدون ويدعمون عسكريّا واقتصاديّا وسياسيّا فيه احتلالات أخرى كاحتلال اسرائيل للأراضي العربيّة. ولماذا لا يتعاطفون مع اللاجئين الفلسطينيّين والسّوريّين والليبيّين وغيرهم، ولماذا لا يسألون عن حقوق الإنسان إذا ما انتهكت في دول العالم الثّالث؟ ويجب الإنتباه لخطأ استعمال مصطلح “عقوبات”، والصّحيح أنّها حرب اقتصاديّة بكلّ ما يعنيه مفهوم الحرب، فهل أمريكا وحلفاؤها يمثّلون العدالة الدّوليّة، ومن أعطاهم هذه الصّلاحيّة، وبأيّ حقّ يجبرون دولا على مشاركتهم في حروبهم هذه؟ وبأيّ حقّ يشنّون حروبهم غير المعلنة من خلال محاصرة دول وشعوب تخالفهم الرّأي، ويدمّرون اقتصاديّاتها، مثلما يفعلون مع كوريا الشّماليّة، إيران، سوريا، لبنان، وغيرها.

إنّ التّعصب العرقيّ والعنصريّة ضدّ الشّعوب ثقافة أوروبّية متوارثة عبر أجيال عند الرّجل الأبيض. وهي ثقافة مرفوضة إنسانيّا وأخلاقيّا، لذا يجب محاربة العنصريّة أينما كانت، فالبشر متساوون بحقوقهم الإنسانيّة بغضّ النّظر عن أعراقهم وألوانهم ودياناتهم.