تخصيص الحكومة الإسرائيليّة عشرات ملايين الشّواقل لبناء “الكُنُس” في المستوطنات القائمة على الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة في الضّفة الغربيّة وجوهرتها القدس، ليست لوجه الله! بل لتكريس ما يسمّى”الحقّ الدّيني في أرض الميعاد”! وهذا ليس جديدا على مخطّطات التّوسّع الصّهيوني، فالحركة الصّهيونيّة منذ بداياتها، وفي مؤتمرها الأوّل عام 1899 في بازل في سويسرا، تستّرت خلف غيبيّات دينيّة، ورفعت شعار “العودة إلى أرض الميعاد” لاستغلال العاطفة الدّينيّة لليهود كي يعودوا “لأرض الميعاد التي وعدهم بها الرّبّ”! مع أنّ أيّا من قادة الحركة الصّهيونيّة لم يكن متديّنا، وعندما قامت اسرائيل لم يكن قادتها متديّنون، وهم يرفعون شعار “علمانيّة الدّولة”، وإن كانوا يضعون “الكيباه” على رؤوسهم، ويشاركون في صلوات دينيّة؛ ليواصلوا استغلالهم للعواطف الدّينيّة لدى عامّة اليهود. وأمعن نتنياهو في هذا الاتّجاه، عندما رفع شعار قوميّة الدّولة، وسنّ بتحالفه اليميني المتطرّف قانونا بذلك في البرلمان”الكنيست”، لينصّ على أنّ اسرائيل دولة اليهود، لتكون بذلك “اسرائيل الدّيموقراطيّة”!، الدّولة الوحيدة في العالم التي لا تعتبر كل مواطنيها رعايا لها.
والحركة الصّهيونيّة التي نجحت في تحويل اليهوديّة من ديانة إلى قوميّة، لا يزال قادتها يستغلّون الدّين في تنفيذ سياساتهم التّوسّعيّة، مع أنّهم لا يحترمون الدّيانات السّماويّة الأخرى”المسيحيّة والإسلام” ولا يعترفون بها، لذا فقد هدموا مئات المساجد في البلدات العربيّة التي هدموها ومسحوها عن الأرض بعد قتل وتشريد مواطنيها الفلسطينيّين، في النكبة الأولى عام 1948. وبعض المساجد التي لم تهدم حوّلوها لحظائر للخيول وللبقر ولغير ذلك.
وقرار بناء “كُنُس” في المستوطنات القائمة على الأراضي الفلسطينيّة في الضّفّة الغربية، ليس لوجه الله ولا للعبادة، وإنّما لتكريس الاحتلال، وفرض حقائق دينيّة على الأرض، عدا الواقع الإستيطاني وتكثيف الإستيطان وفرض وقائع ديموغرافيّة، يصعب تجاهلها، وقد سبق لنتنياهو أن وصف المطالبة بتفكيك المستوطنات وترحيل المستوطنين، بأنّه يندرج تحت “التّطهير العرقي”!
أمّا قتل وطرد وتشريد الفلسطينيّين فهو “حقّ ربّانيّ”، لأنّ فلسطين التّاريخيّة” هي “أرض اسرائيل التي وهبها الرّبّ لليهود”!
وإذا ما طالب أحد بتفكيك “الكُنس” في المستوطنات، فهذا كفر يغضب الرّد، عدا عن كونه “ضدّ السّاميّة”!
ومعروف أنّ اغتصاب الأراضي الفلسطينيّة بقوّة السّلاح، وإقامة المستوطنات عليها، يتمّ على مرأى ومسمع العالم جميعه بعربه وبعجمه، وبتمويل ودعم أمريكي، ومساهمات من كنوز أمريكا واسرائيل الإستراتيجيّة في العالم العربيّ، الذي تصهين بعض قادته وبعض الأنظمة الحاكمة فيه.
وليس بعيدا ذلك اليوم الذي ستطالب اسرائيل فيه بعودة يهود خيبر وبني قريظة إلى ديارهم في الحجاز، فالعرب ليسوا سوى “حطّابين وسقّائين” في المنظومة الصّهيونيّة التي تهيمن على العالم.
وفي الوقت نفسه الذي يجري فيه تسويق الرّواية الدّينيّة اليهوديّة، ويعاقب من يخالفها، فإنّ أيّ حركة دينيّة إسلاميّة تتناقض مع الرّواية الصّهيونيّة، تبدأ طاحونة الإعلام الصّهيونيّ الهائلة بشيطنتها وشيطنة الإسلام معها، ومحاربتها بعد التعامل معها كحركة إرهابيّة! ولتكريس ذلك وإقناع الرّأي العامّ العالمي به، تأسّست حركات إسلاميّة إرهابيّة مثل القاعدة وداعش وجبهة النّصرة وأخواتها، بتخطيط أمريكيّ غربيّ وتمويل من أنظمة خليجيّة نفطية متصهينة. ودعم من وكلاء أمريكا في المنطقة العربيّة. والحديث يطول.