– كان والدي-رحمه الله- حتى شهر مايو 1970، يقتني قطيعا من الغنم البلدي الحلوب، يتراوح عدده بين 150-250 رأسا من الغنم البياض، يتزايد عددها أو يتناقص حسب سنوات الخصب وسنوات المحل، وكنّا نربّي جروين بلديّين باستمرار لحراسة القطيع، وعندما يهرمان نستبدلهما باثنين جديدين. وقد لاحظت أنّ هذين الكلبين متّحدان في مواجهة أيّ خطر، فيهجمان معًا على الذّئاب التي كانت تحاول اختطاف خروف من القطيع، وإذا ما حاول كلب غريب الاقتراب منهما أو من القطيع فإنّهما يهاجمانه بشراسة؛ حتّى يهرب مهزوما مدحورا، وقد شاهدتهما هما وكلاب الرّعاة الآخرين من نفس الفصيل يتوحّدن في مهاجمة أيّ كلب من فصيلة أخرى حتّى يقضين عليه. وعندما كنّا نتشاجر مع أقراننا من الأطفال كانت كلابنا تهرع لنجدتنا، كما كانت كلاب الآخرين تهرع هي الأخرى لنجدة أطفال أصحابها. كما أنّ الكلاب كانت لا تنبح ولا تهاجم شخصا جاء برفقة أحد أصحابها.
ومّما عايشته ورأيته وأراه حتّى يومنا هذا، فإنّ أحدا لا يجرؤ بالرّدّ على ضعيف من عائلة ما، حتى لو اعتدى الضّعيف عليه، احتراما لتقاليد تقول:” من يحسب لك حسابا لا يرمي كلبك بحجر عندما ينبح عليه.”
– ومن مشاهداتي في عالم الأغنام، أنّ “الكباش” في موسم السّفاد تحاول السّطو على إناث قطيع ثان للتّزاوج معها، لكنّ كباش القطيع الثّاني كانت تتّحد في “نطاحه” حتّى يطردنه، رغم المنافسة بينها للفوز بالإناث.
– وفي طفولتي في خمسينات القرن الفارط، كانت والدتي ومجايلاتها -رحمهنّ الله- يقتنين الدّجاج البلديّ البيّاض، وقد شاهدت ديك دجاجات كلّ مجموعة يحمي دجاجاته، من ديك الجيران الذي يحاول الاقتراب من علف دجاجاته، أو محاولته التّزاوج معها، فيتبارزان حتّى يقتل أحدهما الآخر. وإذا ما تسلّل ثعلب إلى خُمّ “قنّ” الدّجاج، في محاولة منه لاختطاف إحدى الدّجاجات، لتكون طعاما له، فإنّ الدّيك يهاجمه ويصيح -صياحا غير صياح الدّيكة المعروف- بأعلى صوته غاضبا، فنهرع لطرد الثّعلب.
– وقد كنّا -كما غيرنا- نقتني الحمير والبغال، لحراثة الأرض ونقل المحاصيل، كما كانت “ركوبة” تغني عن سيّارات اليوم، وهذه الدّواب التي لا يزيد عددها عن حمار أو “أتان” وبغل أو بغلة، لم تكن تسمح للحمير والبغال الغريبة أن تقترب من “مِدْوَدِها”، وإذا ما تواقح أحد الغرباء واقترب منها، فإنّها تهاجمه، وتشبعه عضّا وركلًا حتّى يولّي هاربا؛ لينجو بحياته.
– ومن مشاهداتي أيضا في حياة البداوة التي عشتها، أنّ الخيول الأصيلة لم تكن تتزاوج إلّا مع “الحصن” الأصيلة مثلها. وتنجب “مهرة أو مهرًا” أصيلا مثلها.
كما أنّ الخيول الأصيلة لم تكن تسمح لأيّ كان بامتطائها إلّا لصاحبها أو لأهل بيته من أبناء وبنات.