23 ديسمبر، 2024 6:31 م

بدلة وربطة عنق وشهادة دكتوراه

بدلة وربطة عنق وشهادة دكتوراه

مسؤوليتنا أمام عوائلنا تشكل جزءً كبيراً من محنتنا الشخصية،هي بمثابة قيدٍ ثقيل يلجمُ حريتنا في مواقف كثيرة،ويفرض علينا خيارات محددة،لاتتيح لنا في أغلب الأوقات اختيار ماينبغي أن نختار مما هو أكثر صحّةً وسلامةً ودقّةً من مواقف تعكس في جوهرها قناعاتنا ومبادئنا،تجاه مايواجهنا من حالات نرفضها،سواء في ألأماكن العامة أوفي أماكن العمل،وعادة مايكون أبطالهاغريبو الاطوار،أقل مايقال عنهم،شُذاذ، انتهازيون،لصوص،متصابون،كذابون، أدعياء ثقافة .
أمثال هؤلاء،لديهم من الاساليب مَايربأ البشر الاسوياء بأنفسهم،بعيدا عنها، وعن الذين يلجأون اليها تحقيقا لما يصبونَ اليه من مَالٍ أوشهرة،أو وجاهة اجتماعية طالما إفتقدوها،وذلك لخللٍ يكمن في ماضيهم أو سيرتهم الشخصية.
وبما أنَّ الحصول على لقب علمي،عبر المال  والتزوير بات سهلُ المنال، أصبح  البعض مِن هؤلاء ــ ممن يحمل شهادة اكاديمية عليا ويحرص بشكل مُبالغٍ به على أن يسبِق اسمه لقب دكتورــ لايتردد في أن يستثمر لقبه العلمي أسوأ استثمارٍ في دائرةٍ لاتخرج عن شبهة التزييف أوالتحريف أوالسرقة.وليس الأمر هذا مقصورا على دهاليز السياسة وكواليسها المظلمة،بل تعداده الى أروقة الأدب والثقافة،وهذا هو مربط حديثنا.
في كثير من المواقف تعجز تماماً منظومة الثوابت والقيم الاخلاقية،والتي عادةً ماتفصل بين سلوك الانسان وسلوك الحيوان،في صدِّ مايصدرُ  عن  هؤلاء من تحطيمٍ وتشويهٍ للقيم الانسانية،لتتهاوى بذلك أمام وقاحتهم،سُبل الحوار المُتمدن والمتحضر في أرقى صورها! 
عند ذاك،ستجد نفسك مُرغَمَاً أمام خيار وحيد،لامفرَّ من اللجوء اليه،وليس من السهولة الانزلاق فيه.
خيارٌ يدعوكَ أنْ تُنحّيَ جانباً كل ماقرأته من روايات وفلسفة وشعر،كما يدعوك لأنْ تعتذرَ من أفراد القبيلة التي تنتمي لها:شكسبير وماركس وسارتر ونصر حامد ابوزيد وديستويفسكي وماركيز وشاكر سيفو وعلي بدر وفرج فودة وزهير بردى وحيدر سعيد وعلي شريعتي وهيثم بردى وعبد الخالق الركابي ونجيب محفوظ وعبد السادة البصري وكمال سبتي والسياب وكرم الاعرجي وسعدي يوسف ورعد فاضل  وآخرين .
تعتذر لهم،وتتناسى مؤقتاً،ماتعلمته منهم خلال عقود من القراءة والبحث والتأمل،من اساليب ومعالجات وافكار وأنت تواجه الحياة.ليس لأنَّ افكارهم وفلسفتهم،باتت متخلفة وقديمة ورجعية،ولم تعد تصلح للأستعمال الآدمي.
بل على العكس من ذلك،تعتذر منهم،لأنَّ ماجاءوا به من قيمٍ،لاتصلح إلاّ أنْ تكون منظومةَ للأرتقاء بإنسانية المجتمع البشري.
ولأنك في مثل هذه المواقف،تتواجه مع فصيلةٍ لاتنتمي للجنس البشري إلاّ من حيث الهيئة والشكل والهندام: بدلة وربطة عنق وشهادة دكتوراه  .
فصيلةٌ مُستئذِبةٌ مُتوحشِةٌ،لاتَردَعُ رغباتها وشهواتها ودناءتها،حكمةٌ بليغة ٌلعلي بن أبي طالب ولاصرامة عمر بن الخطاب ولادم الحسين ولامحبة المسيح ولاتسامح مانديلا ! .
ليس أمامك هنا،إلاّ أن تعتذر من هذه الاسماء،وتنحني احتراما وتقديرا لها،قبل أن تطوي جذعك للأمام لتمدَّ يدك الى قدمك وأنتَ تفكر في أستعادةِ وأستعارةِ موقفٍ سَبق أنْ مرَّ به الرئيس الاميركي بوش الأبن،على يد صحفي شاب،قبل أن يلقي كلمته أثناء زيارته العراق في 14 ديسمبر 2008 . 
إلى كل الاسماء الكبيرة بعطائها،وأخرى لم يسعفني المجال لذكرها:- أخشى ياسادتي،أنْ أقدمَ لكم اعتذاراً بين فترة وأخرى.
*مناسبة المقال،ماجاء من إساءةٍ طالت عملي المهني،أوردَها أحد أدعياء الثقافة،في مقال خصنّي به.  جوهرها قائم على تزييف الحقائق،