هذه خاطرة سريعة ليس الا , وهي تحتاج الى معلومات اوسع و بحث اعمق في سيرة حياة الفنان المسرحي الكبير الراحل بدري حسون فريد بلا شك, ولكني اود ان أطرحها فقط لانها – من وجهة نظري – تشكّل ركنا مهما جدا في اطار موضوعة الادب الروسي في العراق , وهي موضوعة اهتم بها بحكم اختصاصي ونشاطي الفكري منذ ان كنت تدريسيّا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد طوال اكثر من ثلاثين سنة , و التي لا زلت متابعا لها بعد تقاعدي .
ابتدأت فكرة هذه المقالة عندي عن علاقة بدري حسون فريد بتشيخوف عندما كنت مشرفا علميا على اطروحة ماجستير بعنوان – (الادب الروسي في مجلة الاقلام العراقية) , والتي انجزها طالب الماجستير آنذاك هاشم الموسوي في تسعينات القرن الماضي في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد , اذ وجدنا عندها , ان الراحل بدري حسون فريد قد أعدّ مسرحية ذات فصل واحد ونشرها في مجلة الاقلام العراقية بعنوان – ( الحرباء ), وهي في الاصل قصة قصيرة معروفة للكاتب الروسي تشيخوف , ولا اذكر – مع الاسف الشديد – عدد تلك المجلة ولا حتى التاريخ التقريبي لصدورها , وقد حاولت ان اجدها الآن عبر البحث في (غوغل) , والاستفسار هنا وهناك , ولكني لم أصل الى نتيجة , رغم اني أتذكر بشكل دقيق , ان الراحل بدري حسون فريد قد حافظ على روحية تشيخوفوخصائص بنيته الفنية في قصته تلك , واستطاع بمهارة فائقة ان يحولها الى مسرحية , مستخدما طبعا خبرته الطويلة في المسرح تمثيلا واخراجا ودراسة اكاديمية عميقة. ان العمل الذي قام به الراحل بدري حسون فريد في هذا الاعداد المسرحي لقصة تشيخوف تجعله يقف – وبجدارة واستحقاق عاليين – مع طليعة الفنانين المسرحيين العالميين الكبار , الذين فهموا بعمق طبيعة قصص تشيخوف و خصائصها , والتي يمكن بالتالي تحويرها وتحويلها الى مسرحيات في حالة معالجتها مسرحيا من قبل مسرحيين موهوبين ويمتلكون تجربة مسرحية كبيرة وعميقة فعلا مثل الراحل بدري حسون فريد .
لقد وجدت في المقالات التي نشرها العديد من الادباءوالصحفيين والمسرحيين العراقيين بمناسبة رحيل بدري حسون فريد نقطتين ترتبطان بتشيخوف ايضا , وهما , ان الراحل اثناء دراسته للمسرح في امريكا قد اشترك مع زملاء مسرحيين له في تمثيل مسرحية ( الدب ) لتشيخوف , والنقطة الثانية , ان الراحل قد أعدّ قصة تشيخوف ( ردهة رقم 6 ) مسرحيا وقدّمها في مسارح بغداد في تسعينات القرن الماضي .
ان النقاط الثلاث , التي ذكرتها أعلاه , تجعل من طرحنا لهذه المسألة صحيحا جدا , بل وتجعلنا نستنتج , ان بدري حسون فريد قد تعامل مع تشيخوف بشكل علمي دقيق جدا , اذ انه اختار جوانب تتلائم وتنسجم , بل و حتى تعالج القضايا الاجتماعية العراقية بالذات , فقصة تشيخوف ( الحرباء ) التي حوّرها بدري حسون فريد ترتبط بشكل مباشر بموضوعة النفاق الاجتماعي البليد والخطير في نفس الوقت امام السلطة الغاشمة, وكيف ( يتلوّن !) رجل البوليس و ( يتنقل !) من موقف الى موقف آخر يتناقض تماما تبعا للظروف السائدة , أما قصة ( ردهة رقم 6 ) , فانها تعتبر واحدة من قصص تشيخوف الشهيرة عالميا , والتي صوّر بها الواقع الروسي الرهيب , والتي أشار اليها او استشهد بها الكثيرون من الادباء والمفكرين الروس والاجانب ( انظر مقالتنا بعنوان – لينين والادباء الروس , ملاحظات اولية // ومقالتنا بعنوان – أخماتوفا وماياكوفسكي ) .
ختاما لهذه الخاطرة السريعة , أتمنى ان يحوز هذا الموضوع على الاهتمام اللائق به من قبل المتخصصين العراقيين في مجال الادب الروسي عموما , والعلاقات الثقافية العراقية – الروسية بشكل خاص , هذا الموضوع الحيوي, الذي يقتضي التعمق بدراسة السيرة الفكرية للراحل, اذ ان هذا الفنان المسرحي العراقي الكبير يستحق فعلا هذا الاهتمام به وهذه العناية الشاملة بتراثه الرائع .