كثرت في الآونة الأخيرة الهجمات المختلفة على نذير العرب محمّد وشاهدهم ومبشّرهم , تحاول وبقوّة منها , ومنها أقلّ تحاملاً ؛ تسفيه القرآن الّذي أوحي به إليه , من خلال هجمات لا تنقطع , يتحمّل وزرها لا محالة , وهم الكثرة الكاثرة مع الأسف , الإسلامويّون والجهلة والموتورين , خاصّةً من الشباب من الّذين دخل حيّز التديّن فجأةً متأثراً بغيبيّات موضوعة لا أصل لها , لكنّه الاندفاع و”الشباب” ! الّذي يهيج فتره “مصفرّاً” إذا ما تعرّض للنقد بممارسته سلوك لا يرتضيه العقل , أو من نمط من تفكيره مغلق على الماضي ويدور في فلكه ..
في الحقيقة هم كلّهم هؤلاء وغيرهم , هم وراء كلّ كلمة أو حرف يراد به اليوم النيل من محمّد ومن دعوته عبر الاعلام المشكّك , ليس الآن , بل منذ ما بعد “النزول” ولغاية اليوم , ولسبب رئيس لكنّه مدمّر : ما يدّعون به من تديّن , شيء , وسلوكهم شيء وبعكس ما يدعون إليه الناس , ولنا اليوم من تسلّموا الحكم في العراق , دليل ساطع , عنك في مصر أو تونس أو ليبيا , علاوةً على من “طُمَغت” سمعته حين قُرنت بحلف الناتو , ودعك عن مفتو البترودولار! وكلّه مخالف للشرع ومن الردّة عن الدين من يتّخذ تلك الوسائل للوصول إلى السلطة , ومثبّت تحريمه ورِدّة فاعلوه في أكثر من نصّ قرآني لا مجال للتشكيك فيها , ولو بنصّ واحد فيه فهو يكفي .. وعليه , فهم هؤلاء الّذين يُنبّتون أنفسهم دوماً في طليعة المدافعون عن عرى الإسلام حتّى وإن كانت أساليبهم في الإقناع تدعو للعداء ! , لذا يمكننا القول : أنّهم هم هؤلاء وأمثالهم وحدهم يتحمّلون جميع سوءات ما تتعرّض له الرسالة الإسلاميّة من هجمات قاسية من غالبيّة الأوساط المثقّفة من الّتي لا تقبل الأعذار ؛ ولغاية ما يُبعثون .. أو لنكن اكثر صراحةً فنقول : أنّ كلّ دعوة لابدّ وأن تتجدّد ويتجدّد معها خطابها الملقى إلى الناس الّذين يقعون ضمن محيط الدعوة , ولنا في “تغيير” نوع الخطاب مع كلّ نبيّ أو رسول جديد , دليل واضح لا لبس فيه على “تفهّم الخالق” لظروف كلّ عصر ومراعياً له ولخلقه ـ زبور مزامير انجيل الخ ـ وكما , وفي نفس الوقت , أن ندرك أن حضور مثل هؤلاء “الشعائريّين” هو حضور يطلبه كلّ عصر ! , لكونه نتاج طبيعي يتماهى وسنّة الحياة الّتي تصرخ بهؤلاء حين تأسن ويصيبها الركود ! , لأنّهم بالنسبة لتركيبة كلّ عصر هم فيها الحلقة الأضعف ولكنّه ضروريّ , أي هم ك “صفير” قدر الضغط ! , أو بمثابة “إفرازات” منبعثة عن مواد متفسّخة يجب إزالتها أو طال مكوثها فاستوجب تحويلها إلى “كحول” أو مخدّر ! , أو عبارة عن عوادم “دخان معتم” صادر عن “محرّك” بحاجة إلى تغيير أو “تچفيت” بأسوأ الأحوال ..
الجنس البشري عامّةً يحضره الوحي جميعاً دون استثناء , لكن بدرجات , وبحسب المؤثّرات ونوعها وكثافتها , في كلّ زمان وفي كلّ مكان , أبيض أو أسود .. هنا يُطلق عليه نبي أو رسول .. أو حكيم أو فنّان أو شاعر أو مصلح الخ , وهناك يُطلق عليه مفكّر أو شاعر أو أديب أو فنّان أيضاً أو فيلسوف الخ , وفي غير مكان يُطلق عليه ساحر أو راقص أو “نسر” أو عرّاف الخ .. وعلى هذا الأساس فجميعنا مهما اختلفنا واختلفت ايديولوجيّاتنا يجب أن نؤمن جميعاً بالوحي الّذي جاء الرسول ! لزاماً يعني .. وعليه .. فمن يؤمن بأنّ ما جاء من نصوص قرآنيّة للرسول , هي حتماً موحى بها إليه .. لماذا ؟ .. ذلك أنّ الوحي ليس فقط يجيء رسول الاسلام , بل جميعنا يوحى إليه , ولكن بأشكال مختلفة وبدرجات من الوحي تلائم الوظيفة الّتي يدعو إليها صاحبها , بل وكذلك “النحل” أيضاً يوحى إليه ! والملائكة كذلك “إذ يوحي ربّك للملائكة ..” ! .. أمّا ما يُقال : “قال له اقرأ ؛ فقال ما أنا بقارئ ؛ فأرسله , ثمّ ضمّه إليه الخ” .. أو “هو كالجرس .. الخ” أو “يتصبّب عرقاً” كما تقول عائشة , “روايتها تحمل بعض الصحّة” ؟ لأنّه انفعال يصيب صاحبه نفسه لا من طارئ أتاه ! وما عداها من الّتي ذكرنا هي من الموضوعات , حتّى ما يُطلق عليه “غار حراء” لا وجود له , وهو برأيي الشخصي من المُصنّعات للفت الانظار , دخلت على تراث وظروف الدعوة بعد عزوف الناس عن الاقبال على الإسلام بعدما أصاب الدعوة الوهن بأمثال أولئك الّذين ذكرنا ..
لعلّ محمّد الّذي صلّى الله عليه وسلّم “كما صلّى الله علينا وسلّم أيضاً بحسب النصّ القرآني” , كانت لديه فرصة الوحي “الاجتماعي” أقوى من غيره , لوعورة العلاقات الاجتماعيّة السائدة في عصره داخل محيطه , والّذي أسمى ذلك المحيط ب”الناس” ! < وما أرسلناك إلاّ للناس كافّة > أي للناس الّذين في محيطه , والّتي تطلّبت من يتصدّى لها , لإصلاح نمط المجتمع ذاك , لمن يوحى إليه , قلق وحيرة كبيرين , علاوة على تدبّر وتأمّل وشجاعة للتغيير واستعداد للتضحية وجرأة ونكران ذات وتسفيه لعصبيّة حاضرة في الوجدان إن كانت تحول دون تجمّع الناس على مبدأ إنساني واحد .. وفي نفس الوقت علينا أن يستقرّ في قرارة أنفسنا جميعاً إن أردنا حجز مكان لنا بين مقدّمة الأمم وفي مقدّمة ممتطي العصر هذا , أن نقر دون وجل أو تردّد , بأنّ كل شيء ممكن يكون عكس ما سبق وسلّمنا به على أنّه من الحقائق ؟ , “فالشكّ يوصل للحقائق” , ومنها أنّ نعي جيّداً أنّه كان من الممكن أن يُقتل محمّد مع بدايات دعوته , ولقد قتل الكثير مثله قبله ؛ وبعده أيضاً , ولا زال , ولن تزول هذه الحقائق إلاّ بزوال الجنس البشري ! بل كاد يُقتل الرسول بمؤامرة وهو لا زال يدعو في مكّة عنوانها “الجهر بالدعوة” ! وذلك عندما أتى المسلمين وهم جميعاً مجتمعون سرّاً , وغالبيّتهم لا تعلم قريش من هم وتتحرّق شوقاً لكشفهم ! أتاهم وهم مجتمعون سرّاً أمراً كاذباً بالغ الخطورة يدعوهم جميعاً للخروج الفوري مجاهرين بأعلى أصواتهم بالدعوة “بعد أن كانت سرّيّة” ! فوقعوا جميعهم بمكيدة أطبقت عليهم على شكل كمّاشة أوشك المسلمون وسطها أن يُقضى عليهم عن بكرة أبيهم , لولا بنو هاشم وحلفائهم الّذين تداركوهم وهم في الرمق الأخير من الإبادة , ولا يغرّنّ أحد “مشهد الحمزة” في فلم “الرسالة” لأنّه من سيناريوهات موضوعة ل”فلم” ممتع ومُنعش مثل إنعاش سڨن أپ “مجورش” وسط طقس أرمض ! .. ولربّما ما خفي كان أعظم , وبحاجة ملحّة إلى مصارحة مع الذات ومكاشفة شاملة الآن وبعد مرور قرون على تلك الأحداث الّتي باتت تهيمن على عقول المسلمين اليوم وكأنّها من الدين ومن شعائره ! وتكرّر يوميّاً حلقاتها من على جميع المنابر وفي جميع “الأفلام” دون ملل ! , فدون ذلك سينقرض العرب والمسلمون لا محال , أو يبقون عبيداً , رغم أنّنا ندرك أنّ العربي بطبعه لا يُذعن إلاّ “للسماء” ! وهذه من أهمّ مسبّبات أفول الإسلام مبكّراً , إذ لم تبق من الاسلام إلاّ الملهاة , بعدما تبخّرت “مونته” سريعاً ! .. كما وهي أيضاً في نفس الوقت من أهمّ أسباب سرعة بزوغ الاسلام على الأرجاء بعد ظهوره بعقدين إلى ثلاث من السنين ! طالما الأمر متعلّق بجنّة وبنار ! ..