العبارات التي وردت في صلاة الحاخام شمعون بن يوحاي المتعلقة ببدايات ألإسلام:
– ” وللحال أجاب ميتاترون ( إسم رئيس الملائكة في ألأدب الحاخامي ) أمير التأييد وقال: لاتخف يابن الإنسان لأنّ القدوس المبارك لا يأتي بمملكة اسمعيل ( المسلمين ) إلا كي يخلصكم من هذا الشر. إنّه يقيم عليهم نبيا بحسب (إرادة ألله) وسوف يغزو الأرض لأجلهم وسوف يأتون ويستردونها بعظمة وسيكون هنالك رعب عظيم بينهم وبين أبناء عيسو(ألمسيحيون) “.
يقول برنارد لويس في تفسيره للفقرة أعلاه ما يلي:
” في نص سالونيك للأسرار، يظهر محمّد كنبي والذي يقيمه ألله (عليهم بحسب إرادته ). أما في الملوك ألعشرة فلا توجد إشارة لا لله ولا للنبي، وصورة محمّد ذاته تصبح مشوشة مع صور الخلفاء ألأوائل.
في الصلاة، يزداد إنزياح الوهم، وهكذا فقد أصبح ( رجلا مجنونا تمتلكه روح).
– ” ألملك الثاني الذي يقوم من اسمعيل سوف يكون حبيب إسرائيل، إنّه يرمم صدوعها وصدوع الهيكل إنّه يحفر جبل موريا ويجعله مستقيما بالكامل، ويبني مسجدا هناك على صخرة الهيكل “.
يقول برنارد لويس في تفسيره للفقرة أعلاه ما يلي:
يظل هنالك بعض الشك حول بداية المقطع حيث يبدو أنّ ثمة خلطا بين الخلفاء الراشدين وألأمويين. وحين نتذكر أنّ الكاتب كان على ألأرجح يهوديا فلسطينيا، والذي كان معاوية بالنسبة له الممثل المباشر منذ زمن طويل للحكم العربي، أولا كحاكم ومن ثم كخليفة، لا يعود ألأمر مفاجئا، وتقلبات الخلافة في شبه ألجزيرة والعراق لا يمكن ان تترك أي إنطباع عميق على شخص كهذا.
( فالملك الثاني ) الذي يموت بسلام وشرف بعد عدة إنتصارات لا يمكن أن يكون سوى معاوية الذي تُعزى له خطأ بعض أفعال عمر في سورية خلال حكم معاوية، أما الملك الذي مات في هزرمفيت والذي أغتاله رجال بني قيدار الأقوياء فهو صدى بعيد لحكم علي بن أبي طالب وموته في العراق”.
تفسير إضافي بقلم نبيل فياض:
لا داع لرمي أية صيغ تساؤلية حول المكانة البحثية لشخصية من مستوى برنارد لويس، فالرجل يحتل مكانة بارزة وسمعة عالمية في دنيا الإستشراق، لكن في اعتقادنا، لا يوجد بحث تاريخي متكامل – وكلّما ازداد التاريخ بعدا عن الحاضر، ازدادت أرجحية عدم تكاملية البحث.
بالمقابل فكلّما ازدادت الوثائق بين أيدي الباحث اقترب بحثه من الكمال، ونحن نعتقد أنّ ما بين أيدينا من الوثائق حول بدايات الإسلام، ربما يكون أكثر مما كان بين يدي برنارد لويس، لذلك فنحن لا نشاطره الرأي في بعض ما توصل إليه من نتائج، يدعمنا في ذلك آراء مشابهة مستقلة كتلك التي شكّلها بعض الباحثين المعاصرين من أمثال مايكل كوك، وتتركز إختلافاتنا في مسألتي الملك الأول وألملك الثاني المذكورين في صلاة الحاخام بار يوحاي.
ألملك ألأول: ألبشير وألنذير؟
إذا ما جمعنا شواهد من وثائق مختلفة فسوف نصل إلى نتيجة صريحة مفادها، في إعتقادنا، أنّ المقصود بالملك ألأول في ” الصلاة ” هو نبي الإسلام محمّد فهنالك نص هام للغاية يدعى عقيدة يعقوب وهو عبارة عن رسالة معادية لليهود سبّبها الإضطهاد الهرقلي، تأخذ شكل حوار بين اليهود عام 634 م وربما أنّها كتبت في فلسطين قبل ذلك الموعد أو بعده بقليل، وفي إحدى النقاط من ذلك النص يشار إلى حوادث كانت تجري آنذاك في فلسطين، على شكل رسالة من يهودي فلسطيني إسمه إبراهيم:
لقد ظهر نبي كاذب بين السرسنيين ( ألمسلمين ).
إنّهم يقولون إنّ ألنبي الذي ظهر مقبل مع ألسرسنيين، وهو يعلن عن قدوم الممسوح الذي يأتي وأخبرني أولئك الذين ألتقوه: ” ليس ثمة حقيقة يمكن أن توجد عند النبي المزعوم سوى إراقة الدماء، إمّا ما يقوله حول إمتلاكه لمفاتيح ألجنة، فهو أمر غير قابل للتصديق “.
ثلاثة أمور جديرة بالإهتمام في ألنص السابق:
أولا: واقعة أنّ النبي كان على قيد الحياة حين غزا العرب المسلمون أرض فلسطين – واقعة تجد توثيقا آخر مستقلا في التقاليد التاريخية لليعاقبة والنساطرة والسامريين.
إنّ أقدم توثيق لذلك هو توثيق نص الذي يحفظ لنا في ترجمة لاتينية تاريخا سريانيا يرجع إلى زمن هشام بن عبدالملك، وربما يكون من اصل يعقوبي أو ملكاني وهذا المصدر يرى أنّ السرسنيين غزوا أقاليم سوريا وشبه جزيرة العرب وبلاد ما بين النهرين تحت قيادة ( ماهمت ).
من ألجانب اليعقوبي فإنّ اهم شهادة هي الرواية القديمة لأصول ألإسلام التي حفظها لنا ميخائيل السرياني، وإلى هذا يمكن أن نضيف مدوّنة سريانية مجهولة المؤلف تعود إلى القرن الثامن ويبدو هذا واضحا من الجانب النسطوري في شاهد متأخر من تاريخ سيئريد العربي ( لكن تاريخا سريانيا مكتوبا على الأرجح في حوزستان في العقد السابع من القرن السابع يمرر على نحو إيحائي ذكر محمّد كحاكم للعرب في خضم رواية الفتوحات ).
أمّا من الجانب السامري، فلدينا شهادة تحرير عربي للتقليد ترجع إلى القرون الوسطى.
ثانيا: واقعة أنّ النبي كان يبشّر بالممسوح أو المسيح الذي سيأتي، وفي هذا نلمح أحد اشكال المسيانية اليهودية.
ثالثا: حديث النص السابق حول إمتلاك النبي لمفاتيح الجنة يدعمه نصّ آخر متضمن في قسَم بيزنطي بالتنكر للإسلام يقول:
” إنّي ألعن عقيدة السرسنيين السرية ووعد موامد Moamed بأتّه سيكون حارس بوابة الجنة “.
كما سبق ورأينا، فإنّ سفر أسرار الحاخام شمعون بار يوحاي، يقدّم وثيقة تاريخية هامة أخرى حول إعتبار النبي بشير المسيّا، قد يبدو هذا غريبا بالطبع – أي أنّ يقبل اليهود بنبي عربي كبشير للمسيّا – لكن كانت ثمة سابقة يهودية معروفة حول قيام أحد العرب بمثل هذا الدور، إذاً فألأسرار يقدّم النبي العربي بإعتباره بشير المسيّا، ويدعم في ذلك وجهة نظر عقيدة يعقوب، الذي ياتي من خلفية عقائدية مختلفة.
في المقالة القادمة سنتناول بقية أجزاء البحث.
ألمصادر:
– ألإسلام المبكر- دار نشر شيلر- برلين عام 2007 – مقالة بقلم دانيل بيرنشتيل – ترجمة علي مصباح.
– نصان يهوديان حول بدايات ألإسلام – إعداد نبيل فياض.
– رؤيا أبوكاليبتية للتاريخ ألإسلامي – بقلم برنارد لويس.