18 ديسمبر، 2024 10:51 م

بداياتهم .. الصحفي الشامل الشاعر عبد الجبار العتابي

بداياتهم .. الصحفي الشامل الشاعر عبد الجبار العتابي

عبد الجبار العتابي رجل مختلف سواء في نسيج الشعر أو في دروب الصحافة ويأتي اختلافه من عدم توقفه بسبب ما يوضع له في طريقه من عراقيل ومصاعب وقد يتوقف حينا لالتقاط الأنفاس ثم يعاود الكرة فهو في طريق الشعر بدأ مبكرا بعد خوض اول تجربة حب لكنه واجه صعوبات فتوقف عن قصيدة النثر واتجه إلى قصيدة العمود لتواجهه عرقلة عدم نشر الشعر المقفى إلا إذا كان مدحا ( للرئيس ) فتوقف حتى انجلاء الغمة وفي الصحافة مالاقاه ادهى وامر إذ حوصر فيها وارغم على تركها وعمل في مصلحة السكك الحديد لعقد من السنين ثم عاد لها لكنه عانى ما عانى حتى سقوط النظام ليعمل بعدها في عدة صحف ربما كانت أبرزها صحيفة المؤتمر
يقول عبد الجبار العتابي عن بداياته ..
لي بدايتان ، واحدة مع الشعر والاخرى مع الصحافة ، هنا سأكتب عن بدايتي مع الشعر لانني لم اكتب عنها كثيرا .
لم أكن احب الشعر ولا احفظ (المحفوظات) في الكتب المدرسية ، وكنت افشل في النحو وأكره مادة (الانشاء) ، وفي مرجلة المتوسطة كنت استغرق وقتا طويلا في حفظ ما يطلبه المعلم مني لحفظ ابيات شعرية ، فلم اكن استسيغ حفظ الشعر ولا اتذكر انني حفظت عشرة ابيات مرة واحدة وطالما شعرت بالاحراج .
لكن باب الحب الذي طرق باب قلبي عام 1977 ، وانا بعمر 17 عاما، جعلني أتوقف كثيرا عن إسم التي احببتها ،ذلك الحب الذي كان من نظرات ومن طرف واحد، هام قلبي بإسمها ، صرت في لحظات الهوس ابحث عن طريقة للتعبير عن حبي لها ، اكتبه لنفسي ، فكانت كتابة الخواطر البسيطة التي يكون اسمها فيه العلامة الفارقة.
اذكر ان شخصا اعرفه ،كان معه كتابا شعريا لشاعر لبناني ، اسم الكتاب (انا العاشق وانت الحبيبة) على ما اتذكر ، كنت ارتشف منه كلمات الحب وأذهب في الليل لأنسج مثلها ، حتى اذا ما وجدت الحب أخذ مني مأخذا أحببت قراءة الشعر وأقتني الكتب الشعرية التي في اسمائها كلمات الحب والعشق ، ووجدتني بعد سنتين أكتب ما يشبه قصائد الشعر الحر ، ولكنها مرتبكة وفيها اغلاط نحوية ، وتشجعت ان ارسل ما اكتب بعد مراجعته من بعض الاصدقاء الى مجلة اماراتي اسمها (هي) ، وكانت تنشر لي ما ارسله بكل ما فيه من (سذاجة) فهي مجرد خواطر لا تمتلك حتى الايقاع ، لكن هذا النشر كان يدفعني الى ان اكتب الافضل وأجهد نفسي في ان اكتب شعرا كما يكتبه الشعراء، ومع استمرار النشر ، كانت هنالك مجلة اماراتية ايضا اسمها (الظفرة) لا تنشر الا النتاج الشعري الجيد ،فحرصت ان انشر على صفحاتها ، فحاولت اكثر من مرة ، وكان لي ذلك ،طرت من الفرح لان القصيدة كانت على صفحة كاملة .
وحين دخلت الجامعة المستنصرية 1981 اجتهدت كثيرا وجمعت بعض قصائدي من الشعر الحر في دفتر وقررت ان اقدمها الى احد الاساتذة المهتمين بالشعر ، من اساتذة قسم اللغة العربية بكلية الاداب، ليطلع غليها ويعطيني رأيه بها ،فذهبت الى الاستاذ خالد علي مصطفى (رحمه الله) الذي قابل طلبي ببرود واحالني الى اخرين ، فطرقت باب الشاعر المصري الدكتور كمال نشأت الذي استقبلني بترحاب واجلسني على كرسي قبالته وراح يطلع على قصائدي من الشعر الحر، لكنه تصفحها بسرعة واعادها إليّ وراح يحدثني قائلا : لو طلبت منك ان ترقص في مساحة هذه الغرفة وكنت قد ربطتك اليّ بحبل ،فأنا على يقين انك سوف لن تتجاوز حدود الغرفة ،ولكن ان فتحت الباب وتركت لك حرية الرقص فسوف اجدك بعد قليل في (بغداد الجديدة) !
ومع دواعي الاستغراب اضاف :لهذا انصحك بترك الشعر الحر وكتابة القصيدة العمودية ، ثم اهداني كتابه (النقد الادبي) وكتب في الاهداء (الى الشاعر الواعد) !.
لم اكن اعرف شيئا عن بحور الشعر ولا القوافي لكنني ذهبت الى قراءة قصائد من دواوين الشعر العربي وأحسب الحروف في كل شطر ، واذ وافق ذلك اليوم التاسع من محرم فقد وجدت المناسبة فرصة ، وبالفعل سهرت الليل كله في كتابة قصيدة طويلة عن الامام الحسين (ع) ، وحملتها وانا مسرور بها وذهبت الى الدكتور كمال ليراها لكنه طلب مني ان أريها لاحد الزملاء الطلبة من المهتمين بالشعر واللغة العربية ،فكانت المفاجأة ان القصيدة متعددة التنوين في القافية (نصب وفتح وجر) وان البحور الشعرية تتلاطم فيها،لكنه ،اي الزميل، قدم لي ملاحظات وتصحيحات وعلمني ما كنت اجهله ،فاشتريت كتاب (ميزان الذهب) وعددا من الدواوين الشعرية وحرصت على ان احفظ منها ما احفظ واتفنن في فهم ايقاعها، وما مرت اسابيع الا ووجدتني انتهي من كتابة قصيدة طويلة بعنوان (ثورة الشاعر) قدمتها الى ذلك الزميل فدهش واستحسنها وطلب مني قراءتها في احتفالية تقام في نادي الجامعة الكبير ،لكنني كنت ارتجف لمجرد فكرة وقوفي امام حشد من الطلاب حتى انني اتيت بشرشف وغطيت الميز الذي نقرأ منه كي لايرى احد فرائصي وهي ترتجف!.
وانطلقت في كتابة العشرات من القصائد العمودية ونشرت خلال عقد الثمانينيات العديد منها في جريدة القادسية الى ان توقفت في العام 1987 بسبب احباط زرعه احدهم في ذاتي وحينما عدت الى الشعر عام 1991 كانت الصحافة قد اخذتني وعدت الى كتابة الشعر الحر لان الصحف ما كانت تنشر الشعر العمودي الا في مديح الرئيس فقط ، لكنني تفردت في كتابة قصائد عمودية ترجمت بها الرسومات الكاريكاتيرية للفنان الراحل مؤيد نعمة اسميتها (الرسم بالقوافي) هي الان مجرد مخطوطة.
لكنني اعترف انني لم امتلك الجرأة في مواجهة الناس ولم اكن مؤديا جيدا في الالقاء ولم انتم الى اتحاد الادباء وسواه وما كانت لدي علاقات مع الشعراء ،فكانت الخيبات تتوالى الى ان اختفيت من المشهد الشعري وكان من الممكن ان اكون شاعرا فطحلا فعلا !.
لكنني عدت قبل سنوات لكتابة الشعر لنفسي اولا وما انشره على مواقع التواصل الاجتماعي حتى انني على وشك ان اكمل مجموعة شعرية اسمها (الليل وآخره) عن معاناتي مع الليل فيما كتبت قصيدة فصيحة طويلة أرد فيها على قصيدة (الريل وحمد) للشاعر مظفر النواب، وهكذا .. اجد في الشعر ملاذي وسلوتي .