19 ديسمبر، 2024 12:28 ص

ما زالت 14 تموز حالة نموذجية، في ظل السياق الذي يسير عليه الوضع العام، ليس في العراق فقط، وانما في الدول النامية عموماً. لقد كانت الثورة التي نفذها ضباط مغمورون مدار حديث منذ انطلقت وحتى اليوم، جدل عنيف حول صواب وخطأ ما نتج عنها. لقد دخلت البلاد بعدها دوامة انقلابات لم تنته حتى دخول الامريكان في9/ 4. تحمل الزعيم عبد الكريم قاسم أوزار الاضطرابات والحروب التي دخلها العراق بعد مقتله وحتى اليوم ظلماً وبهتاناً، وإلا فإنه بلغ من الوداعة أن أصدر أمراً بعدم التعرض للعائلة المالكة بسوء، ولكنه ـ كمعظم القادة التاريخيين ـ اُبتلي بنائب أرعن أهوج، ولكنه طموح.
السنوات القليلة التي قضاها الزعيم في الحكم كانت مليئة بالانجازات، وقد يكون هذا الأمر مفروغاً منه، وكذلك ملأها اعداؤه ابتداءً من البريطانيين وانتهاء برفاق السلاح، عاداه البريطانيون بعد ان انتصرت الثورة التي خطط لها، والقوميون بحجة قطريته، وجمال عبد الناصر لانه لم ينطوِ تحت جناح الجمهورية العربية المتحدة التي انفصلت بانقلاب مسلح، والبعثيون لانهم يريدون السلطة فقط، واخيراً رفاقه من الشواف الى الطبقجلي واخيراً عبد السلام عارف، الذي لم يحفظ له انه منحه حياة جديدة. قبِلَ كل هؤلاء ان يقتصوا من الزعيم ويردوه قتيلاً، وأن يحرموه حتى من قبر يضم جثمانه، ثم كرروا شعاراته نفسها، وقد عجزوا عن تطبيقها.
إنْ كانت العمالة والأقدار قد قيّضت لاعدائه ان يقتلوه ويصادروا ثورة أجمع عليها العراقيون كما لم يجمعوا من قبل، فإن “بخت” الزعيم طاردهم، ليصفّوا بعضهم البعض فيما بينهم، ويذوقوا الكأس المر التي شربها بكل بطولة. وإن قتل الزعيم بطلاً فقد قُتلوا غدراً واحداً بعد الآخر، انقلب عارف على البعثيين الذين أوصلوه الى السلطة، ثم انقلب البعثيون على اخيه، ودارت دورة الغدر لتطيح بالداوود والنايف وحمادي شهاب وعماش والبكر وعدنان خير الله، واخيرا تم تسليم صدام حسين من أقرب الناس اليه الى الامريكان.
ابتلي عبد السلام عارف بأمراض عدة، وقتل في سقوط غامض لطائرته العسكرية في منطقة “بيشة” في البصرة. قال شاعر مجهول متشفياً به ومعزياً الزعيم “اسمع يكريّم.. واوي البيشة تريك بيه”!