19 ديسمبر، 2024 12:38 ص

بحكمة النجف نتجاوز المرحلة

بحكمة النجف نتجاوز المرحلة

عاملان مهمان ساهما في خلق المكانة التاريخية للنجف الأشرف , العامل الأول وجود ضريح الأمام علي عليه السلام , والعامل الثاني وجود الحوزة العلمية فيها , هذا الوجود الذي بدأ بانتقال الشيخ الطوسي إليها عام 448 للهجرة وتحويلها من مدينة ومزار إلى جامعة علمية كبرى , حتى أصبحت بعد ذلك مدرسة الشيعة الكبرى ومعهدهم الأول ودار هجرتهم العلمية , وبسبب النفوذ الديني والسياسي لعلماء ومراجع الدين في النجف الأشرف , لعبت النجف دورا مفصليا مهما وفاعلا في تأسيس الدولة العراقية الحديثة , حين قاد مراجع الدين الأعلام الثورة العراقية الكبرى عام 1920 التي مهدّت لنشوء وتأسيس الدولة العراقية الحديثة , وبعد سقوط النظام الديكتاتوري الدموي في العراق عام 2003 , كان للمرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف والممثلة بالأمام السيد علي السيستاني دورا أساسيا ومحوريا في الحفاظ على وحدة العراق أرضا وشعبا , ومنعه من الانزلاق في أتون الحرب الطائفية بين الشيعة والسنّة , كما كان لمرجعيته الرشيدة الدور الفاعل في كتابة الدستور العراقي بأياد عراقية وتحقيق الاستقلال التام وخروج المحتل , وبالرغم من أنّ المرجعية العليا قد حافظت على مسافة بينها وبين السلطة تحفظ لها عدم التدّخل المباشر في شؤون الحكم , إلا أنّها تدخلّت بشكل مباشر حين أصبحت داعش على أبواب بغداد , وذلك من خلال فتوى الجهاد الكفائي التي منعت سقوط بغداد بيد داعش وأوقفت زحفها على مدن العراق , وحين استشرى الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة العراقية ووزاراتها , كانت للمرجعية العليا صولة ضد هذا الفساد , حين دعت الحكومة إلى الضرب بيد من حديد لكل مفاصل هذا الفساد ومن يقف خلفه .
ويبدو أنّ بعض الجهات السياسية الرسمية , تحاول أن تركب الموجة وتصوّر للشعب العراقي أنّ دعوة المرجعية الدينية العليا للإصلاح السياسي والإداري , موّجهة بالأساس بالضد من بعض الشخصيات الوطنية التي تصدّت للمرحلة السابقة وتحميلها مسؤولية الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة والتدّهور الأمني , وهذه الجهات تحاول أن تسوّق هذا التصوّر للشعب العراقي خلافا للحقيقة , فالمرجعية العليا كانت ولا زالت على مسافة واحدة من جميع الكتل السياسية , ولم تعادي طرفا سياسيا على حساب طرف آخر , وقد تجلّى هذا الموقف في خطبة الجمعة الماضية حين دعا ممثل المرجعية ( إلى الابتعاد عن المهاترات الإعلامية وتوجيه الاتهامات غير المستندة إلى أدلة واضحة عبر وسائل الإعلام , فإنّ ذلك لا يستتبع إلا مزيدا من التوّتر والشحناء والبلد في غنى عنه ) , وبالمقابل فإنّ هذه الشخصيات الوطنية وعلى رأسها السيد نوري المالكي كان ولا زال يؤمن إيمانا قاطعا بحكمة المرجعية العليا ودورها في إرساء دعائم الاستقرار السياسي في العراق , ويؤمن أيضا أنّ العراق سيتجاوز محنته بفضل حكمة المرجعية العليا والتفاف أبناء الشعب العراقي حولها , ومن يحاول أن يدّق آسفين العداء , عليه أن يوقف هذا المسعى الذي بات مكشوفا للجميع وحتى للمرجعية نفسها .