22 نوفمبر، 2024 8:29 م
Search
Close this search box.

بحر اليأس وسعير الغضب

بحر اليأس وسعير الغضب

تظاهرات المناطق الغربية لم تحرق مؤسسة حكومية ولم تقتحم مطارا لتخربه وعندما شاركت الناس بها في بادئ الامر كانت مشاركة عفوية تعبيراََ عما في دواخل الناس من الشعور بالغبن. وبعد ذلك ظهرت النوايا الحقيقية لمن يقف وراءها وانتهت بظهور داعش التي اجتاحت وخربت المناطق الغربية بصورة بشعة لا مثيل لها. وقتها وقف الكثير ضد هذه التظاهرات والمنصات ولا يزال الكثير يعير المناطق الغربية وبتشف مؤذي بهذه التظاهرات التي لم تجلب سوى الخراب والدمار لاهلها ولكن لم يقف هذا المعير المتشفي للحظة وسأل نفسه لماذا انجرف الناس بعفوية في مخطط كان يستهدف اهل هذه المناطق نفسهم قبل غيرهم؟ ألم يكن اليأس من تغيير الحال وفشل الادارة الحكومية في استرضائهم واستمالتهم هو الذي دفعهم للوقوع في فخ الشيطان الذي فتك بهم قبل غيرهم.
اليوم المناطق الجنوبية عندما تتظاهر فيها جموع الناس بصورة عفوية ويدفعها لذلك احسساسهم بالغبن ذاته الذي شعر به غيرهم من قبل, وهذه المرة تقتحم المؤسسات الحكومية وتحرق مع اول موجة تظاهر تنطلق في هذه المناطق. هل هذه التصرفات تكشف من ورء هذه التظاهرات وتبشر بداعش جديد انما على الطريقة الجنوبية بعد ان انتهت صلاحية النسخة الغربية وهل سيندم المتظاهرون العفويون كما ندم نظرائهم في المناطق الغربية لان النتيجة ستكون كما كانت في المناطق الغربية وربما اكثر مرارة.
ولكن قبل الترويج لنظرية المؤامرة التي لا انفيها بل اؤكدها لاننا رأيناها رأي العين في المناطق الغربية ورأيناها من 1980 عندما دفع العملاق الاقتصادي والبشري العراقي في اتون الحروب التي لم تتوقف حتى اليوم, ولذلك ليس لا نستبعد حصولها في المناطق الجنوبية, بل نجزم بان هذا ما سيحصل لها لو استمرت الامور كما جرت مع المناطق الغربية.
السؤال الان لماذا يقع الناس في فخ هذه المؤامرات؟ أليس فشل الادارة الحكومية ومن بيده سلطة القرار من جهات وشخصيات تشارك في العملية السياسية وتسيير الامور بشكل او اخر هو الذي يدفع الناس للخروج ويجعل من الناس تستهين من تحذيرات الوقوع في شباك المخططات التي تدمر البلاد.
من يخرج للتظاهر الان والذي خرج من قبل كانت لديه نفس الاعراض وهو الشعور باليأس التام من اصلاح ادارة البلاد والعباد وكان يرى ولا يزال يرى استخفاف اصحاب الامر بعقول الناس وحياتهم وعدم مبالاتهم بما يجري للناس فيما يقيمون الدنيا ولا يقعدوها لاجل مقاعد برلمانية اختطفت من هذا لصالح ذاك. ويرى صراع المناصب والنفوذ والتقاتل على المكاسب المادية من قبل المتصدين بكل اشكالهم وانواعهم.
الناس تبحث عن مخرج من نفق مظلم وهي كغريق يتشبث بقشة ستهلكه وهو يتوهم ان النجاة بها. لا يلومن احد ٌ الغريق ان استعان بقشة لان الموت امامه في كلا الاتجاهين وعند الاشراف على الهلاك لا يملك الوقت للاستعانة بالتحليلات الاستراتيجية ولا حتى العقلية بل هو يبحث عن حل سريع ينتشله مما هو فيه.
من يوجه له اللوم الحقيقي هو من يحذر من المؤامرة ويعرف انها مؤامرة ويعرف تفاصيلها, ومع ذلك لا يعطي للناس ولو جرعة صغيرة من الامل ليتنفسوا بها. من هو على وشك الغرق لن يلتفت لنصائح الصبر والتضحية والرضا بالقدر والقضاء والقناعة والاخلاق الفاضلة وسيعتبرها اكاذيب حتى لو نطق بها قديس. نعم سيغرق ولكن من اغرقه ليس اوهامه التي دفعته الى قشة, انما من اغرقه من رماه في بحر اليأس وظل يتفرج عليه وهو يغرق ويبخل عليه بسترة نجاة ظنا منه ان هذه السترة التي شحت نفسه عن بذلها لغيره سوف تنجيه ولا يعلم ان بحر اليأس الذي يبتلع هولاء المتظاهرين العفويين لن يأتي اليه ليغرقه بل سوف يكون سعير غضب يحرق كل من وقف على الشاطئ يتفرج وسوف يحرقهم ومعهم كل قوارب النجاة وسترها التي لم تمنح للمستضعفين حين هلكوا في بحر يأسهم.

أحدث المقالات