8 أبريل، 2024 2:48 ص
Search
Close this search box.

بحثا عن الشمسِ في شبه الجزِيرة العربِية

Facebook
Twitter
LinkedIn

طبيعة بلاد العرب :
بلاد العرب ، هي شبه جزيرة في الطرف الجنوبي الغربي لقارة آسيا ، إحدى قارات العالم القديم ، يحدها شمالاً الشام وفلسطين والجزيرة العربية ، وجنوباً خليج عدن والمحيط الهندي ، وشرقاً خليج عمان والخليج الإسلامي ، وغرباً خليج ومضيق باب المندب ، والبحر الأحمر . ويبلغ طول جزيرة العرب من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها نحو 23 درجة أو 2500 كيلو متر ، ويبلغ مجموعة مساحة شبه الجزيرة العربية مليون ميل مربع.
وبلاد العرب عبارة عن هضبة تنحدر نحو الشرق ، وجوها حار ، وهي موطن الساميين ، وتنقسم إلى عدة أقسام ؛ أشهرها : اليمن ، والحجاز وتهامة ونجد واليمامة وبلاد البحرين . وتنقسم بلاد اليمن إلى خمسة أقسام هي : حضر موت وشِحر ومهرة وعُمان ونجران . ويقال إن سبب تسمية ( حضر موت ) بهذا الاسم هو أن حضر موت بن قحطان كان أول من نزلها ، وكان اسمه عامراً ، وإذا حضر حرباً أكثر فيها القتل ، فصاروا يقولون عنه : حضر موت ، فأطلق هذا الاسم على الأرض التي كانت تسكنها قبيلته ، ثم أطلق بعد ذلك على جهة متسعة شرقي عدن بالقرب من البحر وهي كثيرة الرمال .
ويقال إن بها قبر هود ( عليه السلام ) وهو ما أورده الشيخ محمد رضا في كتابه ” محمد رسول الله r ” ، أما لفظة اليمن فيروي أن سبب التسمية بذلك لوقوع اليمن عن يمين الكعبة إذا استقبلت المشرق .
أما بلاد الحجاز ، فهي واقعة في شمال اليمن ، شرقي البحر الأحمر ، وتمتد إلى الخليج العقبة ، وعلى ساحلها جزائر صغيرة تلتجئ إليها صغار السفن عند الحاجة ، وسمي حجازاً لوقوعه بين نجد وتهامة .
ولم يعرف القدماء من جزيرة العرب سوى الشئ القليل ، ولم يتحدث هيرودت الملقب بأبي التاريخ عنها في أكثر من بضع كلمات ، وربما يرجع هذا إما للتعصب أو عدم حيادية المؤرخ . أما معرفة الرومان لجزيرة العرب كانت ضعيفة للغاية ، وحاول الرومان غير مرة استعمارها التي كانوا يعتقدون أنها تنتج التوابل والعطور والنسائج والأحجار الكريمة ، ولكنهم وهم الذين اتسموا بالقوة في هذه الحقبة الزمنية لم يتمكنوا أن يقهروا قبائل البدو العربية التي احتمت بكثبان الرمال وجو البلاد .
ولم يتوغل الأوروبيون فيها إلا حديثاً كما أشار غوستاف لوبون في كتابه ” حضارة العرب ” ، ولم يعرف عنها الأوروبيون قبل نيبوهر الذي زارها سنة 1762م، سوى ما أخذوه عن جغرافي العرب أو عن بطليموس من المعارف المبهمة ، والخريطة التي رسمها نيبوهر هي أولى الخرائط العلمية عن جزيرة العرب ، مع اقتصاره على السياحة في قسم من بلاد اليمن.
وانقضى نصف قرن بعد نيبوهر من غير أن يقوم سائح آخر بارتياد جزيرة العرب ، فلما كانت سنة 1815م ، استأنف بركهارد البحث ، فجمع أخباراً ومعلومات تكاد تكون مهمة ـ بالرغم من وصف العرب لها بأنها أنباء رائعة ـ عن جزيرة العرب ، ولاسيما مكة والمدينة ، وما قامت به مصر حوالي تلك السنة ( 1815م ) من غزو ضد الوهابيين كان فاتحة بحث واسع عن مختلف أقسام جزيرة العرب .
أقوام العرب :
كثر الحديث عن أقوام العرب ، أو السكان الذين سكنوا بلاد العرب ، واختلاف التحديد يرجع إلى عوامل متباينة منها دقة البحث التاريخي ، أو اختلاف المنهج العلمي ، فقد قسم القدماء جزيرة العرب إلى ثلاثة أقسام ؛ بلاد الحجر العربية (بطرا) ، وبلاد العرب السعيدة ، وهي القسم الجنوبي الغربي منها ، والصحراء العربية وهي قلبها وشرقها.
ويشير غوستاف لوبون إلى أن الفارق الأساسي الوحيد بين العرب هو ما أيدته تقاليدهم وطرق معيشتهم وهو تقسيمهم إلى أهل بدو وأهل حضر ، ويجب ألا يغيب هذا التقسيم الجوهري عن ذهن الباحثين في تاريخهم ، وإن تقسيم العرب إلى أهل حضر وأهل بدو يطابق تقسيمهم إلى ثلاثة عروق هي :
ـ العرق الذي باد وعفا أثره قبل الإسلام.
ـ العرق المؤلف من أبناء قحطان الذين استقروا ببلاد اليمن والذين هم أقحاح العرب .
ـ العرق المؤلف من ذرية إسماعيل ( عليه السلام ) .
وذهب بعض الباحثين إلى أن العرب ومن حولهم كانوا من أصل واحد ، ثم تحضر من حولهم وتخلفوا هم ، وقد تحضر سكان الفرات ، وتحضر وادي النيل ، وظل العرب تغلب عليهم البداوة لما حاصرتهم جبالهم وبحارهم .وهؤلاء البدو انقسموا إلى قبائل ، والقبيلة هي الوحدة التي انبنى عليها كل نظامهم الاجتماعي ، وهذه القبائل كما صورت كل كتب التاريخ كانت في صراع ونزاع دائمين ، وقد تتحالف قبيلة مع أخرى أو مع مجموعة من القبائل.
وهناك تقسيم ثالث اعتاد أن يقسم العرب إلى قسمين : عرب الشمال وهو من نسل إسماعيل  ، وعرب الجنوب من نسل يقطان المسمى ” قحطان ” ، وترجع هذه العقيدة إلى ما ورد في التوراة في سفر التكوين ويسمى أهل الجنوب عادة اليمنيين أو القحطانيين ، وأهل الشمال العدنانيين أو النزاريين أو المعديين.
وشاع واستقر بين المؤرخين تقسيم أقوام العرب إلى ثلاثة أقسام بحسب السلالات التي انحدروا منها وهي :
ـ العرب البائدة : وهم العرب الذين لم يتمكن البحث العلمي وأدواته من الحصول على بيانات ومعلومات وأخبار كافية عن تاريخهم وهم عاد وثمود وطسم وجديس.
ـ العرب العاربة : أو العرب العرباء وهم شعب قحطان ، ومهدهم بلاد اليمن واشتهر منها قبيلتان هما : حمير وأشهر بطونها زيد الجمهور ، وقضاعة ، والسكاسك . وقبيلة كهلان ،وأشهر بطونها ” طئ ” وأغلبهم سكن الجبلين أجا وسلمى وهما المعروفان بجبل ” شمَّر ” واشتهر ذكرها حتى كان الفرس يسمون كل العرب طيئاً .ومن كهلان أيضاً : عاملة وجذام ، والأزد .
ـ العرب المستعربة : وهم العرب المنحدرة من صلب إسماعيل وتسمى العرب العدنانية ، وأصل جدهم الأعلى إبراهيم ( عليه السلام) .
وقد جاءت قبيلة يمانية وهي قبيلة جرهم الثانية فقطنت مكة بإذن من أم إسماعيل  وقد كانوا في أودية أطراف مكة . وقد تعلم إسماعيل ( عليه السلام ) العربية من جرهم أنفسهم ، ولما أعجبهم زوجوه امرأة منهم ، وبعد أن ماتت أمه السيدة هاجر ، جاءه خليل الرحمن إبراهيم  فلم يجده ووجد امرأته فسألها عنه وعن أحوالهما ، فشكت إليه ضيق حياتهما ، وقد أوصاها بالصبر والطاعة ، والقصة ذاتها معروفة بأن تخبر زوجها بأن يغير عتبة بابه ، وبالطبع فهم إسماعيل ( عليه السلام ) ما أراده أبوه  فطلق امرأته ، وتزوج ابنة مضاض بن عمرو كبير جرهم وسيدهم.
وتخبرنا المصادر التاريخية بأن إسماعيل ( عليه السلام) قد رزقه الله من ابنة مضاض باثني عشر ولداً ذكراً منهم : نابت ، وقيدار ، وأبائيل ، ومبشام ، ومشماع ، ودوما ، وقيدمان ، وميشا ، ونفيس، ويطور . والمهم أنه تشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة سكنت كلها مكة مدة ، وكانت التجارة هي حرفتهم من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ومصر ، ثم انتشرت هذه القبائل في أرجاء الجزيرة وخارجها .
وبقي إسماعيل  وولداه نابت ثم قيدار على إمرة مكة ، ثم رجع أمر مكة إلى مضاض بن عمرو الجرهمي جدهما ، ثم غلبتهم خزاعة بعد بغيهم وصار أمر مكة لها حيث استمرت ثلاثمائة عام ، إلى أن جاء قصي بن كلاب الذي تزوج ابنة حليل بن حبشة الخزاعي ، وانتقل أمر مكة له بعد حرب عنيفة احتكموا بعدها ليعمر بن عوف أحد بني بكر فقضى بأن قصياً أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة .
الحياة الدينية عند العرب :
اتبع معظم العرب دعوة إسماعيل ( عليه السلام ) حين دعاهم إلى دين أبيه إبراهيم ( عليه السلام) ، فكانت تعبد الله وتوحده ، وتدين له ، وبقي التوحيد بعد ذلك في قلة منهم ، حتى جاء ” عمرو بن لحي ” رئيس خزاعة ، وكان قد نشأ على أمر عظيم من المعروف والصدقة والحرص على أمور الدين ، فأحبه الناس ، ودانوا له ظناً منهم أنه من علماء الدين ، ثم سافر بعد ذلك ” عمرو ” إلى الشام فرأى منهم من يعبد الأوثان .
واستحسن عمرو ذلك الأمر ، وظن أنه الحق ؛ لأنه اعتقد أن الشام محل الرسل والأنبياء ، وقدم ومعه ” هبل ” وهو أحد الأصنام التي كانت تعبد بالشام وجعله في جوف الكعبة ، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله عن طريق عبادة هذا الوثن الذي لا ينفع ولا يضر ، فأجابوه ثم تبع أهل الحجاز أهل مكة في ذلك.
ومن القضايا التي تستحق الدرس والتحليل بشأن هذه الواقعة هو عدم وجود أية أخبار عن محاولات عمرو بن لحي لرد أهل العرب عن دينهم ، وهل تم له الأمر بسهولة دونما مقاومة ؟ وبالتأكيد أن هذا الأمر قد أخذ منه مجهوداً كبيراً ووقتاً طويلاً ، لاسيما وأن عمراً هذا حاول تغيير دين إبراهيم وإسماعيل ( عليهما السلام ) في موطنه ، وعند أهل البيت العتيق وولاة البيت والحرم ، ومما لاشك فيه أنه لاقى الكثير من العنت والمقاومة وعدم الاقتناع بما يدعو إليه ، ولكن هذا ما أغفلته معظم كتب السيرة النبوية التي أشارت إلى الحدث دون تحليله .
والأمر غريب حقاً أن يقتنع كل أهل مكة والحجاز بعبادة الأوثان والأصنام ، ومع هذا كله كانوا يعظمون بيت الله الحرام ، ويطوفون به ، ويحجون ، ويعتمرون ، ويقفون بعرفة والمزدلفة ، ويهدون بالبدن ، ومع ذلك يشركون ويوحدون بالله في ذات الوقت ، فكانت قريش وكنانة إذا أهلوا قالوا : ” لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ، إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما ملك ” . وبذلك يوحدون الله تعالى ثم يدخلون معه أصنامهم ، ويجعلون ملكها بيده .
ومن أقدم أصنام العرب مناة ، وكانت بالمشلل على ساحل البحر الأحمر بالقرب من قديد ، ثم اتخذوا اللات في الطائف ، والعُزى بوادي نخلة ، وكانت هذه الأوثان الثلاثة أكبرهم ، ثم كثر الشرك ، ويُذكر أن عمراً بن لحي كان له رئي من الجن ، فأخبره بأن أصنام قوم نوح مدفونة بجدة ، فأتاها ، ثم أوردها تهامة ، ولما جاء موعد الحج دفعها إلى القبائل والوفود ، فذهبت بها إلى أوطانها . وكانت لقوم نوح ( عليه السلام ) أصنام قد عكفوا عليها ، وقد ذكر الله ( سبحانه وتعالى ) خبرها في كتابه، يقول تعالى : ) وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً (24) ( ( سورة نوح / 23 ـ 24) .

وقال في ذلك الشاعر كعب بن مالك الأنصاري :
وننسى اللات والعزى ووداً
ونسلبها القلائد والشُّنوفا
والشنوف مفردها ” شنف ” وهو القرط .
وهذه الأسماء : ود ، ويعوق ويغوث ، ونسرا ، هي أسماء قوم صالحين من قوم نوح ( عليه السلام ) ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسونها أنصاباً ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ذلك لكنها لم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك النفر عُبدت ، وقد ذكر الطبري هذا المعنى وزاد فيه من جانب رؤيته بقوله : ” أن سواعاً كان ابن شيث ، وأن يغوث كان ابن سواع ، وكذلك يعوق ونسر ، كلما هلك الأول صورت صورته ، وعظمت لموضعه من الدين ، ولما عهدوا في دعائه من الإجابة ، فلم يزالوا هكذا حتى خلقت الخلوف ، وقالوا : ما عظم هؤلاء آباؤنا إلا أنها لأنها ترزق وتنفع وتضر ، واتخذوها آلهة ” .
وقد اتخذ كل دار وبيت صنماً ووثناً يعبدونه ، فإذا أراد الرجل أن يسافر إلى مكان أخذ يتمسح به حين يركب وكان هذا أول ما يشرع به قبل سفره وآخر فعله حينما يرجع .
الطواغيت :
كانت العرب قد اتخذت مع الكعبة طواغيت ، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، لها سدنة وحجاب ، وتهدى لها كما تهدى للكعبة ، وتطوف بها كطوافها بها ، وتنحر عندها ، وهي تعرف فضل الكعبة عليها . ومن مظاهر التقرب إلى الأصنام النذر في الحرث والأنعام ، يقول الله تعالى : )وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) (( سورة الأنعام / 138) .
كما كانت منها البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ، والبحيرة هي بنت السائبة ، والسائبة هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر ، سُيِّبت ، فلم يركب ظهرها ، ولم يجز وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف ، كما فُعِل بأمها ، في البحيرة بنت السائبة ، والوصيلة الشاة إذا أتأمت ، أي جاءت باثنين في بطن واحدة ، عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ، ليس بينهن ذكر جعلت وصيلة . قالوا : قد وصلت ، فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم ، إلا أن يموت منها شئ فيشتركوا في أكله ذكورهم وإناثهم. يقول تعالى : )مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) (( سورة المائدة / 103) .
الكعبة :
وإذا انطلقنا من هذا الحديث الموجز عن أصنام العرب إلى حديث آخر عن أقدس الأمكنة في شتى بقاع الأرض ألا وهي الكعبة فكانت قبل الإسلام الرمز الأشمل لحياة العرب الروحية ، ولكن ارتباط العرب بالكعبة والمكانة الرفيعة التي كانت تحتلها في وجدانهم تشير إلى أنه كان البيت الذي بني في أول الأمر لله ، وهو الرب والإله الأعلى للعرب ، وكانت حول الكعبة منطقة دائرية كان الحجاج يقومون فيها بشعيرة الطواف ، أي الطواف حول البيت العتيق سبع مرات في اتجاه حركة الشمس ، وكان حول الكعبة كذلك ثلاثمائة وستون صنم ، أو تماثيل للأرباب ، ويشير الأستاذ سيد خميس في كتابه ” القصص التاريخي ” إلى أن هذه الأصنام ربما كانت رموزاً طوطمية لشتى القبائل التي كانت تحج إلى البيت الحرام في الشهر المحدد لذلك .
وترى الباحثة البريطانية كارين أرمسترونج Karen Armestrong أن بيت الله الحرام كان يتمتع بقداسة مشتركة بين أجناس الجنس السامي ، وأن الدين السومري القديم هو الذي نبعت منه فكرة الدائرة ، والرموز المقامة حول الكعبة وعددها 360 تشير إلى عدد أيام السنة السومرية المكونة من 360 يوم ، إلى جانب خمسة أيام مقدسة يقضيها الناس خارج الزمان ؛ للقيام بشعائر خاصة تربط ما بين الأرض والسماء.
وكان موسم الحج يعني بجانب الالتزام الديني ضرورة نفسية وإبداعية في الخروج عن الرتابة ، والكفاح المرير من أجل الحياة ، والصراع الضاري الذي تحكمه التقاليد القبلية ، ففي أيام الحج لا قتال ولا اعتداء ، هذا بجانب الجانب الاقتصادي التجاري ، ومكة كانت من أهم أسواق ومراكز العرب التجارية السنوية.
واسم مكة من الأسماء التي دار حولها جدل واسع ، وتعددت التفسيرات للاسم وتباينت ، فـ “جرجي زيدان” يرى أن الاسم يرجع إلى أصول بابلية أشورية ، والكلمة تعني ” البيت ” في البابلية ، وهو اسم الكعبة عند العرب. وأشار العالم اليوناني ” بطليموس ” باسم ” ماكورابا” ، أما الطبري فيرى أن اسم مكة ليست اسماً لشخص ، بل اسماً لسمكة.
اليهودية :
انتشرت اليهودية في جزيرة العرب قبل الإسلام ، وتكونت فيها مستعمرات يهودية ، وأشهرها يثرب ، وهي التي سميت بالمدينة بعد ذلك ، وبالمدينة المنورة حتى وقتنا هذا. ويهود هذه المنطقة يمكن أن نقسمهم إلى قسمين : يهود نزحوا إلى الجزيرة ، وآخرين تهودوا فيها . ويشير المفكر الإسلامي أحمد أمين في كتابه ” فجر الإسلام ” إلى أنه كانت في القرون الأولى للميلاد مستعمرات يهودية في تيماء ، وفي فدك ، وفي وادي القرى ، وكان يهود يثرب ثلاث قبائل : بني النضير ، وبني قينقاع ، وبني قريظة ، كذلك عمل اليهود على نشر ديانتهم جنوبي الجزيرة حتى تهود كثير من قبائل اليمن .
ومن أشهر هؤلاء المتهودين ” ذو نواس ” ، وقد اشتهر بتحمسه بتحمسه لليهودية آنذاك واضطهاده لنصارى نجران ، وذكر المؤرخون في سبب ذلك أن يهودياً كان بنجران عدا أهلها على ابنين له فقتلوهما ظلماً ، فرفع أمره إلى ذي نواس وتوسل إليه باليهودية ، واستنصره على أهل نجران وهم نصارى فحمى له ولدينه وغزاهم .
وحينما سار ” ذو نواس” إلى أهل نجران بجنوده دعاهم أولاً لليهودية ، وخيرهم بين ذلك والقتل ، لكنهم اختاروا القتل ، فخدَّ لهم الأخدود ، فحرق وقتل ومثَّل بهم ، يقول الله تعالى: )قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) (( سورة البروج / 4 ـ 8 ).
وبعض المؤرخون يظنون أن ما قام به ” ذو نواس ” كانت عبارة عن حركة وطنية ، حيث إن نصارى نجران كانوا على ولاء مع الحبشة ، والحبشة هذه الأثناء كانت حامية النصرانية في نجران ، وقد اتخذت النصرانية وسيلة للتدخل في شئون اليمن ، فأراد ” ذو نواس ” محو هذا النفوذ الحبشي . وهؤلاء اليهود الذين نزحوا إلى بلاد العرب طفقوا ينشرون تعاليم التوراة من خلق الدنيا والبعث والحساب ودسوا فيها كعادتهم القصص والأساطير والخرافات .
النصرانية :
الحديث عن النصرانية حديث واجب ومهم ويكاد يكون ضرورياً ، فإذا قلنا سابقاً إن ظهور النبي r كان استجابة لدعوة إبراهيم  حينما دعا ربه : )رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) ( ( البقرة / 129) . فالرسول r بشارة أخيه عيسى  كما حدث هو نفسه ، فقال r : ” أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى ” . وبشرى عيسى كما جاءت في القرآن : )وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) ( (سورة الصف / 6) .
ويذكر ابن إسحاق أن بنجران بقايا من أهل دين عيسى بن مريم  على الإنجيل ، ويشير ابن إسحاق إليهم بقوله : ” أهل فضل واستقامة من أهل دينهم ” ، وكان موقع أصل هذا الدين بنجران ، وهي بأواسط أرض العرب في ذلك الزمان ، وأهلها وسائر العرب أهل أوثان يعبدونها ، وذلك أن رجلاً من بقايا أهل ذلك الدين يدعى ” فيميون ” وقع بين أظهرهم فحملهم عليه ، فدانوا به .
وانقسمت النصرانية في ذلك العهد إلى عدة كنائس أو فرق ، تسربت منها إلى بلاد العرب فرقتان كبيرتان هما النساطرة واليعاقبة ، فكانت اليعاقبة في غسان وسائر بلاد الشام ، والنساطرة منتشرة في الحيرة . وقد كان بنجران كعبة يقال لها ” بيعة ” ، وقد بناها بنو عبد المدان بن الديان الحارثي على بناء وهيئة الكعبة وسموها كعبة نجران وكان نصارى نجران على مذهب اليعاقبة وهذا يبرهن على اتصالهم بنصارى الحبشة . وكان من هؤلاء النصارى شعراء مثل ” قس بن ساعدة ” ، و ” أمية بن أبي الصلت ” و ” عدي بن زيد ” ، وفي أشعارهم وقصائدهم لمحات دينية .
ومن المؤكد أن تناحر وتشيع الفرق المسيحية وغموض تعاليمها وجفاف مادتها من أسباب إصرار العرب على عدم الدخول في المسيحية والبقاء على وثنيتهم ، وبتوالي الزمن تعددت مذاهب المسيحية وانقسمت إلى أحزاب كثيرة ، وقد تنكر كل حزب للحزب الآخر بسبب الخلاف في الرأي ، ولعل ما كان لهذه الأحزاب والطوائف آراء ونظريات جدلية غريبة مثل أن لعيسى  جسداً يزيد على الطيف يظهر به للناس ، ومنهم من يعبد مريم ، والكثير من القضايا الجدلية التي لم تجد صدراً عربياً يقبلها مثل إن المسيح  ولد الله ، يقول تعالى : ) قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمْ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) ( ( سورة يونس / 68 ـ 70 ) .
هذا بالإضافة إلى قضية الثالوث والفداء التي لا تعرفها أديان السماء ، وعلى حد قول الشيخ الإمام محمد الغزالي : ” ما سمع بها عيسى  ” . ولاشك أن النصارى الأولين كانوا على عقيدة التوحيد ، ويبدو أن نفراً من شياطين الإنس والجن حاولوا فتنتهم عن هذا الدين ، وأرادوا أن يخلطوا بين الوحي المنزل على عيسى  ، وبين تعاليم ودروس أرضية . ولاشك أن العرب قد احتاروا حقاً بين آلهة ثلاثة ووسطاء يغفرون الذنوب ، يقول تعالى : ) وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) (( سورة التوبة / 30 ـ 32) .
وهكذا احتار العرب وغلق عليهم فهم كيف أن عيسى إله مع الله ، وأن الإله الابن مساوٍ لله ذاته ، ومغاير له في الوقت نفسه ، يقول الله تعالى : ) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (5) (( سورة الكهف / 4 ـ 5) .
لماذا انصرف العرب عن النصرانية ؟
يجهل الكثير من الناس السبب الذي نشر النصرانية في بلاد إفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكتين ، وجهل هذه الحقائق مضر بالمجتمع الإنساني ، لأن أتباع المسيح  في هذه البلاد سوف يجدون مفاجأة تبين أنهم قد خالفوا الحق المبين . لأن عيسى  ما جاء إلا ليبين لبني إسرائيل ما خفي عليهم ، ويخفف عنهم ما شددوا بهم على أنفسهم ، ويردهم إلى أصول العقيدة الصحيحة .
ونجد في متن الأناجيل المتعددة ما يوضح أن دعوة عيسى  كان دعوة خاصة جداًومحصورة في بني إسرائيل ، وبالتالي فإن أتباع المسيحية اليوم قد ضلو دعوا أنفسهم بفكرة أنه مخلصهم.وقد سارت النصرانية في طريقها التطوري حتى تكونت فكرتها عن الثالوث الذي يعني عند المسيحيين الله الأب ، والله الابن ، والله الروح القدس ، فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن ، وإلى الابن الفداء ، وإلى الروح القدس التطهير .
واعتقد أهلها أن الإنسان أخطأ خطيئة كبرى عندما عصى آدم ربه في الجنة ، فأخرجه الله منها عقوبة له ، ثم أراد أن ينقذه فأرسل ابنه منقذاً له ، يفتدي خطيئته بدمه ، وكما هم يزعمون أن المسيح  صلب وسفك دمه إلا فدية لخطيئة الإنسان الأولى ، والخطيئة تبقى من الإنسان ، وعليه أن يشارك بدم المسيح لكي ينقذ نفسه ، ومن هنا كان ما يسمى بسر القربان المقدس عندهم .يقول الله تعالى : )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171) لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (173) ( ( سورة النساء / 171 ـ 173 ) .
كل هذه الأسباب السابقة مجتمعة ساهمت في انصراف أهل العرب عن الدخول في المسيحية وكثرة المجادلات والرؤى النظرية لمجردة التحيط بها وما صاحبها من شطط وحيرة وغموض .
ـ أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية المساعد
كلية التربية ـ جامعة المنيا
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب