23 ديسمبر، 2024 3:58 ص

بثقافة الاعتذار نبني مجتمعاً سعيداً

بثقافة الاعتذار نبني مجتمعاً سعيداً

إن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل والأنبياء وأنزل إليهم الشرائع السماوية حتى تنشر مابين البشر الأخلاق الحميدة والصفات الكريمة وينتج منها علاقات طيبة تكون قاعدة متينة لتأسيس مجتمعاً سعيداً في الدنيا وينعم بالجنان في الآخرة ، فهذه المجتمعات السعيدة لا تتكون حتى يرتبط أبنائها بعضهم ببعض بعلاقات طيبة مملوءة حب واحترام ومودة ، وإذا شاب هذه العلاقة بعض الركود من خلال الخطأ أو سوء الفهم يدفعنا الشارع المقدس الى الاعتذار والاعتراف بالذنب حتى تصفى القلوب وتنظف من الآثار السلبية للأخطاء والتجاوز على الحقوق قال أمير المؤمنين عليه السلام (شافع المذنب إقراره وتوبته اعتذاره)، لأن عملية الإصلاح بدون الاعتراف بالخطأ والتجاوز تبقي القلوب مكدرة مملوءة بالأوساخ والآثار السلبية مما ينتج عن علاقات ترتبط بروابط ضعيفة فلا تصمد أمام اصغر الأخطاء واقلها فتنفجر القلوب ثانيةً نتيجة احتضانها لتلك الآثار السلبية السابقة كالجمر عندما يغطيه الرماد بأضعف ريح يخرج ويشب أعظم النيران مما ينتج عن مجتمع متفكك تنتشر ما بين ابنائه التباغض وسوء الفهم و العداء وهذه جميعاً تؤدي الى التعاسة في الدنيا والجحيم في الآخرة ، وهذا ما تعيشه أغلب المجتمعات الإسلامية اليوم عندما تركت أو شطبت من ثقافتها فن الاعتذار ، وقد تناسوا أن الاعتذار فن لا يحسنه إلا المؤمنين الشجعان ولا يفهمه إلا أصحاب العقول والأخلاق المحمدية الأصيلة ، لأن عملية الاعتذار هي مجابهة حقيقية ما بين الغرائز وهوى النفس من جهة والعقل من جهة أخرى فإذا أنتصر بها العقل كان الإقرار بالذنب فتقوم الشجاعة بتقديم الاعتذار وإذا انتصرت بها الغرائز وهوى النفس كان الجبن الذي ينكر الذنب أو الخطأ فيكون الإصرار ، قال أمير المؤمنين عليه السلام (الإقرار اعتذار ، الإنكار إصرار) ، فالمجتمعات التي تفتش عن السعادة عليها أن تتقن فن الاعتذار لأنه المكنسة التي تكنس جميع القاذورات والأوساخ التي تسبب الأمراض التي تعاني منها المجتمعات التعيسة كالحسد والبغض والضغينة وعدم قضاء الحوائج وعدم الثقة بالآخرين وغيرها من الأمراض المستعصية ، فبدون ثقافة الاعتذار تتهاوي أقدس العلاقات الإنسانية إن كانت العلاقات ما بين أعضاء الاسرة الواحدة كالعلاقة الزوجية أو العلاقة الأبوية أو العلاقة الأخوية او العلاقات التي تربط ما بين أبناء المجتمع الواحد وتصبح هذه العلاقات هشة تأخذها عواصف الأزمات يميناً وشمالا حتى تنتهي بهم الى حفرة القبر التي يندم بها من صعبة عليه كلمة الاعتذار أو كلمة أسف التي لو قالها في الدنيا لأصبحت شمعة تنير له القبر وتوسعه وتجعله روضة من رياض الجنة قال الله سبحانه وتعالى ( وإذا قيل له أتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) (سورة البقرة آية 206) ، فثقافة الاعتذار قاعدة تقوم عليها سعادة الدارين وبدونها تصبح الدنيا موحشة بل أسوء من الغابة ينهش القوي فيها الضعيف وهذا ما نعيشه اليوم ، فشجعوا على ثقافة الاعتذار لكي نفوز بسعادة الدارين .