23 ديسمبر، 2024 6:09 م

بتيتة ودروشة ونكتة

بتيتة ودروشة ونكتة

تتسع حياتنا -بتفاصيلها الكثيرة واحداثها المفصلية واليومية- لصفحات طوال من كتب المذكرات .او قد نختزلها فلا نحتاج إلا لكلمات لا تتجاوز الكلمتين او الثلاثة لا لجملة ٍ حتى ..
إذ لا بد من حدث يمثل نجاح ساحق يمتد أثره على كل ايام حياتنا او خطأ فادح يخيم بظلاله عليها .
كما ان شخصيتنا لا بد وتمتاز بميزة او اثنتين تطغيان على غيرهما حتى لنعرف بهما اكثر من غيرها .
وهو بالتحديد الذي انطبق على الرفيق عزة الدوري فالرجل تنقسم حياته الى ثلاثة اقسام رئيسية الاثنان الأولان دوران لعبهما كانا في الصميم من اهتماماته والثالث سمة مميزة له.
في الثمانينات كانت حكومة البعث السنية مهتمة بتطوير الواقع الزراعي وقد نجحت بذلك أيما نجاح اذا علمنا انها كانت تريد تطوير هذا الواقع بالمناطق الأثيرة لديها هاملة مناطق الجنوب ومناطق الشيعة , ولا يتبادر للذهن ان هذا الاهمال المرضي كان فشلا ً … ابدا ً بل كان هو الخطة . وبذا تكون الحكومة قد افقرت الجنوب وحولتهم ونسائهم الى مزارعين يعملون بالأجرة لدى أخوانهم السنة .
وتماشيا ً مع هذه الستراتيجية ولوجود متسع من الوقت لديه كان الدوري يزور مزارع البتيتة في الحويجة مكرسا ً لها كل وقته ” الثمين “!! وقد أحاطها بكل انواع الرعاية من مشاريع الري والبزل حتى اثمرت زياراته التفقدية بزيادة الانتاج ورفع المدخول والمستوى المعاشي للعشائر المحببة هناك .
وكان كثيرا ً ما يحصل ان صدام يسأل عليه فيجيبه احد افراد الحرس” سيدي: انه بنص مزارع البيتة في الحويجة ” لدرجة ان ستالين التكريتي الذي اعتاد ان يسمع هذا الجواب كان يجيب مرتاحا ً ” يا الله احسن ما يروح منا.. منا ” .
ولشغفه بالبتيتة فقد كان يخصص جائزة لمن يستطيع ان يرمي ( البتيتاية ) لأطول مسافة وحصل انه فاز في احداها فقدم الجائزة لنفسه .
هذه المرحلة من حياته عنوانها الأبرز … ( بتيتة ) .
المرحلة الثانية في التسعينات عندما أطلق ستالين حملته الايمانية النفاقية , ايضا ً انتهز عزة الفرصة ليظهر ميوله الدرويشية بكل وضوح فبدأ يرعى الدراويش ويشرف بنفسه على حملاتهم التي كانت تزور مراقدهم .
فانتعش بهذه المرحلة اتباع الطريقة الرفاعية والقادرية وكان عزة ينتمي للأولى وكنا نشاهد الباصات الكبيرة تنقل العشرات منهم رجالا ً ونساءا ً مصحوبين بدفوفهم .
هذه المرحلة عنوانها الرئيسي الدروشة .
الى هنا تنتهي احداث حياته المهمة لتبدأ سمته الأبرز وهي النكتة . كان عزة النائب ضعيف الشخصية – او عديمها اصلا ً – لقائد أوحد شخصيته طاغية وذو هالة مسيطرة ويبدو ان الوجه الابرش غير المنتظم المثير للسخرية كان موضع ارتياح لستالين حيث انه أدرك انه سيزيد من قدر او بريق القائد الاله ما دون الاله -وكان محقا ً- فبتعابير وجهه الدالة على الخواء والباعثة على السخرية كان بحد ذاته مزيج مثير للنكتة .. فكيف به إذ يوضع بمواجهة زعيم قوي !
حينها لا بد وتتضاعف اثارته للسخرية بل ان ستالين التكريتي نفسه استهزأ علناً ً بكون نائبه عديم النفع كان موضوعا ً للنكتة .
وهكذا نشاهد ان الثلاث كلمات – البتيتة والدروشة والنكتة – قد اختزلت حياة النائب الفزاعة بملبسه العسكري الدال بقوة على الصدى اللهم إلا من الحقد .
ثم ينبعث عزة الكهفي من غفوته.. واذا كان اصحاب الكهف النبلاء قد خرجوا ليقرروا ان الزمن ليس زمنهم ويسارعوا بالعودة والنوم ..لكن ليس عزة حيث اصر ان يرفض ذلك وان يرتدي الخاكي ويقدم نفسه لقطر والسعودية كزعيم سني بعثي يعدهم بلجم الشيعة وبمحاربة ايران بشيعة العراق وان يقف سدا ً منيعا ً لهم امام ايران الصفوية وهو عرض كريم على اية حال يعد بتكرار تجربة الحرب العراقية الايرانية .