ثمة منقذو شعوب، لا نعرف قيمتهم، الا بعد ان يغادروننا، تاركين فراغا، تعجز قوى الادعياء، عن سده.. فالضباط الاحرار، هللوا في العراق، واندفع الشعب نحو مصيره، تبعهم، مغويا بالشعارات الجوفاء، التي تجيع، بدلا من ان تشبع.
موسى انقذ بني اسرائيل، من ربقة المصريين، يسومونهم مر العذاب.. عبيدا يقطعون حرثهم ويستحيون نساءهم، فسرى بهم في متاهة سيناء، ليجدوا انفسهم، في الضلال.
والمهاتما غاندي، صام، فجاعت بريطانيا، راضخة لشروط الهندي المتقشف؛ ما اشعر العالم بالقدوة المثلى، وكذا فعل نيسلون ماندلا وسنغور، في افريقيا.. انهم منقذو شعوب.
محليا.. اسس نوري السعيد دولة العراق، على لبنات مثلى، لو لا اغواء السلطة للعسكر؛ ما سقط العراق في بئر الفاقة والحروب والجوع والهزائم الانسانية الرابضة في اعماق مشاعر الفرد العراقي.. المواطنة في العراق، بعد 14 تموز 1958 باتت اذلالا، ومنة من ضباط لا فضل لهم على البلاد، انما البلاد متفضلة برفاههم الفاحش اذلالا لشعب يتنعمون بمقدراته.. يستنزفونها من دون وجه حق.. ملوكاً، والملوك اذا دخلوا قرية دمروها، وجعلوا اعزتها اذلاء.
أسس نوري السعيد دولة العراق، على الدستورية الشرعية، وهي انجح وادق انظمة الحق المعروفة على وجه الارض، منذ تأسست فكرة الدولة ودالت الحكومات في الشعوب.
هذا ليس رأيا نسبيا، يخضع للخطأ وتصويبه، انما اصبح بديهة من جوهر امهات كتب السياسة التي احتكمت الى تجارب ناجحة في تشكيلات الحكم، على مر التريخ؛ لتجد ان الملكية الدستورية، اقل انظمة الحكم اخطاءً، بل تكاد تكون معدومة الخطأ؛ لأنها تنزع لرضا الشعب عن الدستور المتمثل بالمسافة اليينية التي تقي الشعب مغبة الديكتاورية، لوجود ملك يقوم شطط رئيس الوزراء وتشكيلته، ووجود مجلس امة، مؤلف من عقلاء، لا ينفذ الباطل اليهم، يقومون الجميع، وهم من الشفافية والمرونة، على استعداد لكل ما فيه مصلحة البلاد.
ربط نوري السعيد العراق بمعاهدات تمنح شعبه ارجحية في الافادة من الاحتلال، على عكس حكم العسكر الذين منحوا انفسهم مغانم تفوق العقل:
“علج المخبل ترس حلكة”.
حجب السعيد عن نفسه كل ما يتهافت عليه مجلس النواب والوزراء والكتل السياسية الان، ومن قبلهم الطاغية المقبور صدام حسين.
بنى عراقا أنموذجيا عجز الذين تلوه عن اللحاق به، حتى بعد ان عادوا الى فقرات الخطة الخمسية التي وضعها مجلس الاعمار برئاسة نوري السعيد، ورصد صدام تخصيصاتها لحربه ضد ايران.
الزم بريطانيا بسداد اقساط النفط التي عجزت عنها، من خلال طلبة درسوا في جانعاتها، وعادوا لبناء جامعات عراقية ومستشفيات ودوائر هندسية ومعامل.. صنع نوري السعيد دولة من دون تكلف، وتكلف العسكر في تهديمها، بل اجبروا الشعب على ان يدفع ثمن التهديم من قوته، ويجبرونه على التصفيق مسبحا بحمدهم.
والغريبة انهم على درجة من الصلف والغرور والغفلة، يصدقون بان الشعب الممجد لهم خوفا.. يطريهم نفاقا، ودرءاً لخطرهم، محب مؤمن بفكرهم الخاوي!
نتمنى على حكومة الدولة الديمقراطية الراهنة، التي يرأس مجلس وزرائها نوري المالكي الا تقع بالفخ الذي نصبه العسكر للعؤاقيين، على اساس (دولة ضد شعبها).
حكومات العراق المتعاقبة، قامت على اذلال الشعب (جوع كلبك يتبعك) وانتهوا الى التآكل في مابينهم، على الفريسة، وهذا ما يحدث الان، فاقرأوا التاريخ جيدا واتعظوا مما آل اليه السابقون، كي لا نظل رهينو الآية الكريمة “كلما دخلت امة لعنت اختهاط.
نحن في مرحلة ديمقراطية يصطلح عليها سياسيا الجمهورية الثالثة، واظنها المرحلة الثانية بعد الملكية، التي تحمل ملامح تخصصها من بين لغاب التداخلات المسعورة في بلاد لاتهدأ على مر التاريخ.. بل منذ ما قبل التاريخ.. العراق ارض ملعون، قالت عنها احدى العرافات، قبل الاسلام:
“من اراد كنوز الارزاق والدم المهراق فليتجه للعراق” بحسب كتاب (جمهورة خطب العرب) تحقيق احمد زكي صفوت.
وهذا ما تؤكده ارض العراق في كل طور من مراحل الدولة، قبل واثناء وبعد زوال الاسلام وحلول العثمانيين وزوالهم بالاحتلال البريطاني وتنصيب الملك وقتله وتلاحق الثورات بما لم تشهد دولة على الارض مثلا لتسارع الثورات كما في العراق.
كل هذا لو قرأه المالكي، وانتدب رجالا كفوئين لاحقاقه، لاسهم في تغيير نبوأة العرافة، ولو خلال عهده على الاقل.
فلنتعظ؛ لأن من خاف سلم! ونوري السعيد منقذ شعب اكره على التنكر له، بل سار على مبدأ القطيع (وياهم وياهم.. عليهم عليهم) ولو سألت من سحلوا رئيس الوزراء بالحبل: لماذا؟ لما وجدوا ما يجيبون به، ثم يتذكرون كلاما شعارتيا لا وجود له: امتهن الكرامة الوطنية وربط العراق بمعاهدات مع بريطانيا وتخلى عن فلسطين.
فلا تملك غير ان (تعفط) لأن اعز مرحلة للانسان العراقي، هي العهد الملكي، ما عدا الشطط اللاانساني الذي احدثه رشيد عالي الكيلاني بقانون (حق الزراع) الذي يحيل الفلاح الى عبد تحت نير الاقطاع، سنة 1933.
وما ربط العراق بمعاهدات مع بريطانيا الا والارجحية فيها للعراق، لو ان احدا قرأها، لكن المشكلة الشعب لم يطلع على المعاهدات، انما استند الى ما عبأه به اصحاب النوايا المغرضة، الذين اطلعوا على الخير الوفير للعراقيين في تلك المعهادات، فالبوا الشعب ضدها؛ كي لا تحسب منجزات لنوري السعيد، وهنا تتعطل مساعيهم الى كرسي الحكم.
وما اشبه اليوم بالبارحة، فهاهم الساسة يعيقون المشاريع التي تطمن حاجة الشعب للخدمات؛ كي لا تحسب منجزات للحكومة الحالية، حتى بات العراق، خرابة، حيثما وجد رصيف ما زال متماسك منذ الثمانينيات، حطموه برصف كارتوني يتحطم قبل اتمام المقاولة التي يستحصل متعهدها توقيع اللجنة (مطابق للمواصفات) في جلسة نساء وسمك وخمرة وظروف محشوة بالدولارات.
ولم تعد الحكومة تبالِ، اذ توصلت حال تسلمها الحكم، الى النتيجة التي توصل اليها صدام حسين بعد انتفاضة آذار 1991، بترك العراق للعناية الألهية تسوس شأنه، وانشغل هو برفاهه الشخصي، مهملا الدولة.
لكن الى اين انتهى صدام، فلا تتخذوه قدوة، مثلما اتمنى على الشعب، الا يعيد ما فعله بنوري السعيد، ساحلا مستقبله الى القدر المعتم الذي بلغناه، بالحبل الذي جر نوري السعيد.
فاقرأوا الموعظة والتزموها تفلحون نجاةً، متجنبين الدخول في التجربة التي يصلي مؤمنوا الديانة المسيحية المقدسة، لله، كي يجنبهم الدخول فيها.