يبدو أنّ الروس والأميركيّين في طريقهما لتسوية الوضع ليس فس سوريا فحسب بل في العراق أيضاً ! وفي غيرهما نتائجها بالطبع انتصاراً للحلف المناوئ لأميركا وكي لا ننسى فهي خطوة أولى لكسر الاحتكار المالي الغربي على العالم بتثبيت مجموعة “بريكس” قدمها في التداول المالي العالمي بعد أنّ وقف الربيع عند أعتاب سوريّا وانقلب صيفاً لاهباً بدأت سحب وخمته تغطّي دول الجوار السوري كان فيها لبنان المدخل الواضح “لِمُمَنطقة” الصيف بعيداً بكلّ الاتّجاهات ربّما سيقف عند المحيط الأطلسي مخاطباً إيّاه ( والله لو كنت أعرف أنّ وراء البحر أرضاً لخضته بجوادي الطائفيّ هذا ) ..!
مؤشّرات نهاية الأزمة الربيعيّة في سوريّا بدأت بشكلها الفعلي بعد معركة “القُصير” رغم استقتال بندر بن سلطان وعضيده فيصل آل سعود المرتجفين هذه الأيّام من سقوط ورقتيهما بالعمل بشتّى الطرق وبكامل ثقلهما على حصر نتائج القصير .. ترنّح لها أوّلاً وقبل ربيع أردوغان شيخ قطر حمد آل ثان .. وهذا “الترنّح” على وضع الشيخ الصحّي لا تحمد عقباه ربّما لن تنجو منه قطر ذاتها رغم عمليّة الترقيع بالشيخ “تميم” ؛ جاء على ما يبدو وفق استراتيجيّة “غسل” وشطف شاملين لعموم مشايخ الخليج أشبه ما سيكون بعمليّة حرث لهؤلاء جميعاً بقرار استراتيجي أميركي نتيجة فشلها في إنجاح الثورة السوريّة .. وعمليّة الشطف أو الحرث الشامل برأيي ربّما ستكون مصداقاً لبعض الروايات عن حديث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم “لن تقوم الساعة حتّى تتحوّل أرض جزيرة العرب إلى مروج خضراء وبَرَد وثلج” ! ..
لقد كان إلحاح الغرب بالسرعة القصوى في إسقاط النظام السوري لم يأت اعتباطاً بل من تحسّب ومراودة لعقلها المخطّط عقدتي “فيتنام والعراق” في التورّط بمغامرة ربّما ستكون خطورتها أخطر من تلك الحربين مجتمعتين ! .. وقد يكون مردودها العكسيّ أكثر بكثير من التدخّل العسكري المباشر ذاته لأنّ “التجربة” الأميركيّة في سوريا مثلاً ليست بعيداً في فيتنام ولا في لاوس ولا في أفغانستان فيقل تأثيرها النفسي فيما لو فشلت ولكنّها تجريها وسط منطقة نفوذها يعني وسط أهمّ مموّل لاقتصادها يعني وكأنّها توقد ناراً بين خزّانات بنزين عملاقة ! ولا يعني الفشل فيها سوى كارثة مدمّرة لهيكلها البنيوي ذاته لذا استوجبت التجربة محسوباً معها استخدام جميع الأسلحة الفتّاكة وسط سياج فولاذي مانع لانتشار نتائجها القاسية فيما لو فشلت وحصر كلّ ذلك بعناية فائقة أشبه بعمليّات إجراءات مشدّدة بعدّة أنطق عازلة لعمليّة زرع إكلينيكي لخلايا جذعيّة أو لانقسام ميوزي بين الكروموسومات أو لعمليّة عزل عناصر كيميائية محددة Isotope separation من عنصر ما لليورانيوم للحصول على المادّة المخصّبة .. لذا أميركا كانت حريصةُ جدّاً على نجاح هذه التجربة المعدّة لها إعداداً محكماً مخافة فشلها وانتشار “إشعاعاتها” على عموم منطقة نفوذها فتفقد كلّ شيء .. لذا .. وما أن لاح لها علامة من علامات الفشل سارعت لاستعادة “تجربة” تملّصها من الأضرار الكارثيّة الّتي تعرّضت لها من حربها على العراق على الأقلّ إعلاميّاً حين انسحبت من العراق بعد نجاحها في إنشاء “الصحوات” فغطّت على “انسحابها” المهين منه وبمواعيد متضاربة للتمويه وغطّت في نفس الوقت على تفاعلات فشلها في الداخل البنيوي الأميركي الّذي تعاني منه وبسببه جاء “الربيع” علّه يكون بديلاً عن التدخّل العسكري المباشر والّذي لن تجرء أميركا بعد اليوم على القيام به بعد هزيمتها العسكريّة في العراق بغية استكمال مشروعها “القرن الأميركي” أو “نهاية التاريخ” .. الآن فعلت نفس الشيء مع استمرار التفاعل داخل بنيويّتها بعد الفشل الواضح لحدّ الآن في الإسقاط السريع للنظام السوريّ ارتدّ نتيجته , وهو ما كان يقلقها ويقلق أعضاء حلفها من عرب وغيرهم أشدّ القلق , ولمحاولة تخفيف وقع تأثير ذلك تسارع الخطى الآن لاقتلاع جميع أدواتها الّتي استخدمتها في إسقاط سوريّا وعلى رأسها الأداة “الدينيّة” الّتي احترقت ورقتها بالكامل ومن بعدها ليس شيخ قطر آخرهم ولا أردوغان .. بل ستشمل جميع رموز الأنظمة الخليجيّة وغيرها علاوةً على حلفائها أنظمة العرب الأخرى ومنهم الرئيس المصري محمّد مرسي والقائمة تطول ( لتشمل أهمّ عنصر مخابراتي لديها ضلّ يجوب ما بين منطقتنا وبين واشنطن طيلة خمسين سنة ! دون هوادة يمرّر الاملاءات الّتي تمليها عليه واشنطن ليعمّمها على أتباعها من أنظمة عربيّة حاكمة وينقل إلى واشنطن كلّ صغيرة وكبيرة تجري في داخل اجتماعات وزراء الخارجيّة العرب الّتي عادةً ما تسبق القمم العربيّة , في اجتماعاتهم المفتوحة أو المغلقة ! .. وجميع ما يجري بين الرؤساء العرب في قممهم ويحصي لأميركا كلّ أنفاسهم سواء في الاجتماع العلني أو وراء الكواليس يجنّد لذلك جميع وزراء خارجيّة دول الخليج وبعض الدولة “الروّالة” لأموال الخليج وسواء عندما كان زمن الراحل عبد الناصر وتأثير الضغط السوفييتي على تلك القمم أو سواء أثناء قيادة “حمد” لتلك القمم .. ينقل لواشنطن كلّ حركة أو سكون تجري في منطقتنا طيلة خمسة عقود مضين .. لقد كان قدومه في رحلة واحدة من واشنطن إلى الرياض يعني حرباً قريبة بين الحكومة المغربيّة وبين الأمازيغ ! أو انقلاب عسكري في جزر القمر ..
لا زلت أتذكّر تلك “الصورة” الصغيرة لفيصل وزير خارجيّة مملكة آل سعود العتيد نشرت له من ضمن موضوع يتعلّق بسياسة المملكة هذه في صفحة من صفحات إحدى الصحف بداية سبعينيّات القرن الماضي يظهر فيها مرتدياً على غير العادة الّتي عرفت عنه ملابس التزلّج على الجليد بكامل هيأتها وسط جبال الألب ! هو ما كان مكتوباً تحت الصورة , مكشوف الرأس طويل القامة لا يختلف مظهره العام عن أيّ متزلّج أوروبّي معروف ! فانطبعت صورته في ذاكرتي بذلك التناقض منذ تلك الصورة .. يبدو انّ هذا الوزير الشبيه بالممثل الأميركيّ الراحل كلارك غيبل لا يقلّ قيمةً لدى أميركا عن شاه إيران ومع ذلك قالت أميركا للشاه “جقّ” أو كشّ ملك فاقتلعته وتركته تائهاً ما بين الأرض وما بين السماء .. ها هي الآن بعد فشلها الذريع تضحّي بأغلى جوّال لديها بل تضحّي بجميع شركات الجوّالات الّتي تمتلكها لأجل أن لا تسقط منطقة نفوذها هذا السقوط القادم المريع بخروج سوريا من معادلتها بعد أن احترقت أوراقهم على تخومها .. لذلك فنحن بانتظار “جقّ” لسعود الفيصل .. لعلّه سيكون جقّ تأريخي أشدّ من كش تميم الأخير للقرضاوي ولخالد مشعل ولقائمة أصدقائهما أصدقاء سوريّا ..