23 ديسمبر، 2024 12:25 ص

بانوراما القتل في مقاربه تاريخيه – ستالين ، هتلر ، صدام حسين

بانوراما القتل في مقاربه تاريخيه – ستالين ، هتلر ، صدام حسين

ليس الا القليل ، القليل عما يمكن ان تستوعبه الذاكره ، وعما يمكن ان يكتب او يقال ويروى في هذا المجال . بيد ان الامانه من منطلق كونك باحثا او ربما كونك قد عاصرت هذا الحدث او ذاك او لنتفق ، لو سمحت ، كونك إنسانا ، كرمه الله، عن حسن او خطا في التقدير ، في جعله خليفة في الارض ، ما عليك إذن ، ولا مناص ، من ان تدلو بدلوك .
الاشكاليه تكمن في استفسار واحد أوحد : كيف للإنسان ان يقتل إنسانا ؟ وبتلاعب لفظي للتعميم : كيف يسمح بعض ( الناس ) لأنفسهم ان ينظموا حفلات قتل وأباده جماعيه لذوي جنسهم من ذات الفصيلة .
يبدو ان ثمة خلل منهجي في تعريف الانسان ولهذا وضعت انا، تحوطا ، بين قوسين هذا البعض من ( الناس ) ، مؤكدا على قناعتي بأنهم وان كان الظاهر انهم أناس مثلنا ولكنني ، اعذروني ، لااعتبرهم كذلك . لقد جعلوا أنفسهم ( أشباه الهه يملكون سلطة كلية في الاراده والتقرير لمسار ومصادر المجتمع وأفراده ) ( محمد سعيد رصاص في مقالته ” فكر القتل ” صحيفة ” الحياة ” 15 سبتمبر 2015 ).
أسترسل بالقول من ان التاريخ يقرا بوجهين : من وجهة خالق الحدث ومن وجهة المؤرخ . لا ثالث مابعد ذلك . الاول هو الفاعل وهو المتملك وهو القادر على احداث الحدث ، والثاني لامناص أمامه سوى ان يدرس ويحلل ويتكهن ببواطن وسيكولوجية فاعل الحدث .
في مذكرات ” اناستاس ميكويان [ 1895 – 1978 ] هذا الرجل المتفرد ممن صاحبوا ” لينين ” منذ الايام الاولى للثوره البلشفيه عام 1917 ، والعضو الأصيل في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي طيلة اربعين عاما ونيف ، والنائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وأخيرا رئيسا لمجلس السوفييت الاعلى للاتحاد السوفيتي ، أقول ، في هذه المذكرات المعنونه ” هكذا كان ” والصادرة من دار ” باكريوس ” عام 1999 ، باللغه الروسيه ، الصفحه 592 ، الوقائع المريعة التاليه عن زمن حكم ” ستالين ” : انه خلال الأعوام 1935 – 1940 , وبالأخص أعوام 1937-1938 ، حيث سادت ظاهرة المؤامرة وروح الانتقام ، تم إعدام 98 عضوا قياديا في الحزب الشيوعي السوفيتي من مجموع 139 ( 70%) ، ومن مجموع 1966 عضو مشارك في الموءتمر السابع عشر للحزب عام 1934 تم اعتقال ، فاضطهاد 1108 عضو ( 56%) ، تم إعدام 848 منهم ( 76%) . وكان من بين الذين نفذ بهم حكم الموت اربعه من أعضاء المكتب السياسي واربعه من مارشالات الجيش السوفييتي بينهم المارشال الشهير ميخائيل توخاشيفسكي ، ذو الفضل الهائل في تحديث الجيش . الحديث يتعلق بداهة عن ان جميع هؤلاء كانو من قيادات الحزب العليا على مستوى الاتحاد والجمهوريات والأقاليم . ويواصل ” ميكويان ” في مذكراته على الصفحه ذاتها نقلا عن الباحثة ” شاتونوفسكيا ” التي كلفت بإعداد تقرير عن هذه الجرائم وقد استخلصت معلوماتها من ” لجنة أمن الدوله kjb ” انه خلال الفتره 1934-1941 تم إعدام حوالي مليون شخص ، وتم اعتقال واضطهاد قسري وتعذيب 18,5 ( ثمانية عشر ونصف مليون شخص) !! ويعقب صاحب المذكرات ذاته في ذات الصفحه ” انه مما يثير حقيقة ان الحكم الوحيد للذين قدموا للمحاكمه من الأعضاء الأصليين والمرشحين للجنه المركزيه للحزب الشيوعي كان الإعدام ” . وعندما عمد كاتب هذا السطور التوغل في تفاصيل ذلك تبين لي ان من بين الذين حوكمو ونفذ فيهم حكم الإعدام كانوا أعضاءا في “الكومنترن ” من مواطني بلدان اخرى ممثله في هذه الهيئه العليا للأحزاب الشيوعيه . اي ان آلة القتل لم تستمرأ ان تسحق فقط مواطنيها بل ومواطني بلدان اخري باسم ” الامميه الشيوعيه ” ، كما فهمها وطبقها ” ستالين ” ومن حوله . والحقيقه ان العنف الثوري الذي نادى به ” لينين ” كان يستهدف كما أراد له صاحبه أعداء الثوره ، من خارج الصوره والحيز الثوري . بيد ان النظرية اللينينية شىء وما ارتكب باسمها من اهوال وجرائم شىء اخر ليست في منظور مقالتنا هذه . على انه يجدر التوكيد هنا ، على سياق الشيء بالشيء يذكر ، في ان ” ماركس ” ذاته لم ” يجعل من العنف لازمه حتميه للثوره وان ” إنجلز ” أشار الى ان الحق في الثوره وما يتبعها من ممارسات عنفيه ليس هو ( الحق التاريخي الوحيد ) . الامر كما ذكرنا قبل قليل إنما يتعلق وحسب ب ( أعداء الثوره ) من القوى المضادة وليس من قبل الثوار أنفسهم وفيما بينهم وتأسيسا على ذلك فان هذا العنف الدموي المفرط إنما ( يفترض اراده تبحث عن الهيمنه ) حسب ” اندره توشي ” – أورده استاذي الدكتور عبد الرضا الطعان في كتابه المنهجي ” مفهوم الثوره ” – دار المعرفه 1980 ص 158 – .
عندما انتقل الى ” هتلر ” فلدي كم هائل من معطيات على ممارسة العنف والقتل ، بل والتفنن في ممارستهما ، وردت بالتفصيل وبالادله الدامغة في مجلدات محكمة ” نورمبرخ ” 1945-1946 لمجرمي القياده النازيه وصدرت في عدة مجلدات ضخمه باللغات الانكليزيه والفرنسية والالمانيه والروسية ، كان من حسن حظي ان اقتني نسخه منها باللغه الاخيره . لقد وثقت هذه المحكمه ، التي انشات باتفاق البلدان الحليفة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحده الامريكية وبريطانيا وفرنسا فظائع النازيين إبان الحرب العالميه الثانيه 1941-1945 . لقد انشا الألمان في أوربا اثر احتلال بلدانها الواحده تلو الاخرى ابتداء من عام 1939 بعيد احتلال بولندا معسكرات اعتقال دموية راح ضحيتها الألوف من اسرى الحرب ، والذين هم وليس غيرهم ، وَيَا للمفارقة ، أرغمو بسواعدهم على بناء هذه المعسكرات .
كان من أشهر هذه المعسكرات ” ميدانك ” و ” اوشفيتز ” في بولندا و ” ماتهاوزن ” في النمسا و ” داخاو ” في ألمانيا بالذات . لقد نظمت لنا السلطات البولندية حينها – عام 1976- نحن المشاركون في الموءتمر العام السنوي لجمعيات ورابطات الطلبه العراقيين في الخارج – فروع اتحاد الطلبه العام – الذي انعقد في بولندا في تلك السنه زياره الى معسكر ” ميدانك ” ويالها من انطباعات مؤلمه مازالت عالقه في الذاكره ، وشاهد على كيف ان بعض بني البشر بدواعي الأيديولوجيا والهيمنة السياسيه يمكن ان يرتكبوامثل هذه الجرائم بحق نظراءهم في الجنس البشري .
وعلى اثر زيارته الى معسكر ” اوشفيتز ” كتب طبيب التشريح الألماني ” يوهان كريمر ” في مذكراته عقب رؤيته ضحايا الاختناق بالغاز ” يبدو جحيم ” دانتي ” كقصه كوميديه مقارنة بما يحصل هنا . لايطلق اسم معسكر الهلاك على ” اوشفيتز ” بدون سبب ” . ويكفي ان أجنب نفسي الاستطالة لكيما أورد وحسب انه وعقب المحاوله ، التي لم يكتب لها النجاح لسبب عارض ، لاغتيال ” هتلر ” والتي خطط لها بكل ذكاء الضابط الألماني الرفيع ” شتاينبرغ ” ، بتاريخ 20 تموز 1944 ، والذي كان في حينها رئيس أركان الجيش الألماني الاحتياطي تم إعدام 200 عسكري ألماني ، وحسب المحقق والباحث ” وليام شيرر” تم إعدام 4980 شخص و 7000 معتقل تمت تصفيتهم تدريجيا في مراكز الإعتقال .
ونعود الى تاريخنا القريب ، فلقد طالعتنا صحيفة ” الثوره ” العراقيه والتي كانت حينها الصحيفه المركزيه لحزب العفالقه في العراق بتاريخ 8 اب 1979 بعد ايام قلائل من تولي ” صدام حسين ” – الموقع الاول – في السلطه وتنحية ” احمد حسن البكر ” بقرار المحكمه الخاصه لمحاكمة ” المتامرين ” من أعضاء قيادة حزب البعث : إعدام 22 وسجن 33 قياديا ( تم تصفية اغلبهم تدريجيا فيما بعد بالتعذيب ، بل وحتى بالجوع والإنهاك – راجع الحوار المتعدد الحلقات للاستاذ احسان وفيق السامرائي ، احد اللذين حكم عليهم بالسجن عشر سنوات –
حلبجه والأنفال وسحق انتفاضة الجنوب وجرائم غزو الكويت والحرب مع ايران …. جمله قصيره تنضح مضامينها بدون تعليق وشرح إضافي .
لم يكن مرادي في هذه المقاله ان أتوغل سردا في استعراض السلسلة اللامتناهية لجرائم حزب البعث وصنوه من الأحزاب الفاشية ، فلقد سبق لي ان أوردتها في ” كتابات ” وغيرها من صحف ونشريات المعارضه العراقيه ابان حكم العفالقه ، بيد ان هدفي هو هو وهو عدم السماح للذاكرة العراقيه ، جيلا بعد جيل ، ان تنسى او تتناسى ماارتكبه بحقها أولئك المُنادين بالعروبة ، وهم منها برآء ، وأولئك ، كذالك ، الذين سمحوا لأنفسهم ، باسم الأيدولوجيا ان يقيموا انهار دم لمعارضيهم .