منذ تشكيل اول حكومة بعد التغيير عام 2003، وكل يوم تطالعنا وجوه برلمانية عبر وسائل الاعلام المختلفة عن نيتها استجواب هذا اوذاك المسؤول بتهة الفساد الاداري واستغلال السلطة وغيرها من قائمة طويلة من التهم تحمل في طياتها بعض الدوافع والمكاسب ولعل التسقيط والمناورة السياسية واضعاف الاخر تقف في المقدمة، تأتي هذه الدوافع التي قد تكون في طرحها الاولي تناغم وتدغدغ مشاعر الموطن العراقي البيسط الذي يرى اموال بلده تتبدد من دون أية مساءلة حقيقية. بالعودة الى موضوعة الاستجواب الذي يثار بين الفينة والاخرى وسرعان ما تهدأ زوبعته والعملية اشبه ما تكون ببالون هواء تنفد مادته بمرور الوقت حتى يضمحل، وبالتالي في عالم النسيان حتى يظهر استجواب جديد يلغي القديم في متداولة غريبة لاتعرف منها سوى كيل التهم وادعاءات حماية اموال المواطنين ضد المفسدين ـ وما أكثرهم اليوم ـ.
قائمة الاستجواب طويلة مع حقائق وشهود يراد لها ادخال البلد في متاهة لايجني منها المواطن العراقي سوى (وجع الراس). هذا لايعني ان العراق اليوم خال من افة الفساد بكل انواعه، بل وحسب تقارير اغلب الهيئات الوطنية والدولية تؤكد ان العراق يحتل المراتب الاولى عالميا في هذا الموضوع. لكن للاستجواب شروطه واهدافه التي يجب ان لايحيد عنها، منها: الابتعاد عن التسقيط الحزبي والحرب الكلامية التي يستشعر منها أن وراءها أغراض شخصية، وغيرها من المزيدات البطولية، حيث هناك من يبحث عنها في ظل انخفاض مؤشر شعبية الجميع. بعد كل هذا المعركة ينتهي الاستجواب عند ابواب البرلمان ليتم التحفظ علية بحجة الحماية الحزبية والمصالحة الوطنية التي تتطلب بعدم الاشارة الى هذه او ذاك المكون، لينتهي بترضية وطبخة الكل يخرج منها منتصرا ما خلا اموال الشعب العراقي المسكين التي يعرف مصيرها سوى البعض.
مشكلة الاستجواب عندنا انها مارد من دون اقدام يقف عليها، ليركع عند احدى الصفقات بين طرفين متناقضين، ليخرجا في النهاية الامر (حبايب) لا احد يحمل ضغينة على الاخر. بعض الاحيان للاستجواب ابطال معروفون حيث توفر عليهم هذه الفورة الدولارات التي جمعوها من هنا وهناك، وتحويلها الى اقرب مصرف دولي من اجل المحافظة عليها من الزمن وتنميتها بطرق شتى. الاستجواب اصبح دعاية مجانية للبعض وجعلتهم يتصدرون نشرات الاخبار ويطلون علينا من اكثر مقدمي البرامج اليومية. هنا اصبح الاستجواب نوعا من الترف السياسي ان صح التعبير، لايثير المواطن من قريب ومن بعيد، بل اصبح حكرا على طائفة من العراقيين الذين تدفعهم غاية يصعب التنبؤ بها في ظل الضبابية وسوداوية الامور التي تلف المشهد العراقي وتناقضاته التي لايمكن التكهن بها.
المواطن ادرك الحقيقة ووعى الاهداف واصبح لايكترث بموجة الاستجوابات لانها بالون هواء سرعان ما يضمحل ودون نتائج تذكر والعبرة فيما مضى من وقت.