9 أبريل، 2024 2:01 ص
Search
Close this search box.

بالنفط والفساد .. العراقيون يدخلون حصارهم الاقتصادي ( الجديد )

Facebook
Twitter
LinkedIn

العراقيون الذين لم تتسنى لهم الفرص لمغادرة العراق ولم تكن تأتيهم تحويلات نقدية أو عينية من الخارج ، تذوقوا بالفعل طعم الحصار الاقتصادي الذي يعني الجوع والحرمان والحسرة والألم والشعور بالظلم ، ففي ظل ذلك الحصار الظالم الذي فرضوه علينا خلال السنوات 1990 – 2003 بعد سلسلة من المغامرات والحروب ، تعلم أطفالنا الحساب من تعداد حبات الرز المخصصة لوجباتهم الغذائية وتم حجب كل ما فيه رفاهية ، ووصلت الأمور إلى تشريع قرارات تفرض عقوبات حكم الإعدام على كل من يبيع الموطا أو يتداول صناعة الحلويات ، باعتبار إنها أطعمة تستهلك كميات من الزيت والسكر والطحين في وقت كان الكافيار يتسلل إلى موائد البعض ممن كانوا يتاجرون بذلك الحصار ، ورغم إن أعدادا كبيرة من أبناء شعبنا عانوا الجوع و الألم وارتفعت نسب المراضة إلى حدود غير معهودة ، إلا أن الشعب استطاع أن يجتاز تلك الأزمة بعد سلسلة كبيرة من التضحيات وحاول تناسيها وتركها خلف ظهورهم لكي يمضوا إلى الأمام بعد أن جاء ( المحررون ) ليعلنوا انتهاء عصر الظلم والجوع ليأتي يوم الاستثمار الصحيح للثروات . وتأملنا جميعا مغادرة تلك الذكريات الأليمة والتمتع بما انعم الله علينا من خيرات في الزراعة والصناعة والمساحة والسياحة والمياه والموقع والسكان .

وذلك الحصار الجائر اللعين كنا نعيشه ونحن نعرف من نسب ونشتم وندعوا عليهم عند رب العالمين لأننا نعرف فارضيه ، ورغم جروحه النازفة إلا إن الكثير من النفوس كانت مطمئنة انه زائل لا محال فمن المستحيل أن يستمر لنهاية الحياة ما دام العالم بحاجة للنفط العراقي ، كما إننا كنا نحس بطعم سعادة آتية ولكنها مؤجلة إلى حين ، فبعد أن دخلت إلى حيز التنفيذ مذكرة التفاهم لمبادلة النفط بالغذاء والدواء شعرنا جميعا بان بلدنا غنيا وربما سنكون في قمة السعادة عندما ينجلي الحصار وأسبابه فنهنأ بثرواتنا التي لا حصر لها ، وكانت تتسلل ألينا من الخارج أصوات المعارضين الذين كانوا يرددون أغنيات كلماتها لو أتيح لنا حكم العراق لجعلنا مفردات البطاقة التموينية ب 50 مادة وأكثر ، والبعض الآخر كان يراهن على إلغاء البطاقة التموينية لكي تعوض برفاهية تشبه جنة الفردوس في العراق ، ومع الأيام الأولى للتغيير دفعت رواتب الموظفين بالدولار وامتلأت الفضاءات والفضائيات بالوعود ثم العهود بان ينتقل العراق إلى مرحلة من التقدم تجعله برصانة اقتصادية تتفوق على مثيلاتها في الأرض ، وخلال أشهر قليلة اكتشف البسطاء والعلماء بان البلد سائرا نحو الهاوية لا محال لان كل ما يتخذ من قرارات تشجع الاستهلاك وزيادة الإنفاق ، وفي غضون ذلك أخذت أسعار النفط ترتفع بشكل تصاعدي يجذب الانتباه .

وفي ظل إنعدام الرؤية والتخبط السياسي والخلافات المفتعلة بين الفرقاء وإدارة الدولة على أساس المحاصصة والحزبية وانعدام الكفاءة والسعي للحصول على مكاسب في الانتخابات ، وأمور أخرى يعرفها القاصي والداني لم يكسب الشعب شيئا سوى رواتب الموظفين الذين اخذ عددهم يزداد بشكل مخيف لتعبئة صناديق الاقتراع والفوز في الانتخابات ، ورغم الادعاء بالتزام منهج ديمقراطي يعتمد على الدستور فقد غابت أركان مهمة ومنها مجلس الخدمة الاتحادي والتعداد العام للسكان وقانون النفط والغاز والتوزيع العادل للثروات وقانون حقيقي للانتخابات والحسابات الختامية التي تكشف أوجه الصرف بوضوح ، وبعد أن سقطنا في أزمات عديدة تسلل ألينا الدواعش ليحتلوا 40% من أراضي العراق اعتمادا على سلاحنا وتجهيزاتنا ومعداتنا التي استخدموها للتدمير بامتياز ، وبعد مرور 12 عاما على ( التحرير ) وجدنا بانتا بحاجة إلى إصلاحات في كل شيء ، لان روائح الفساد راحت تزكم الأنوف بعد أن شغلت مساحات مهمة في بنوك العالم بأموال السحت الحرام ، وصفقنا للتغيير والإصلاح ولكنه اتصف بالبطء والاصطدام بعقبات وصعوبات عديدة تتعلق بهيمنة بعض السياسيين على المحركات الأساسية لفعل التغيير ، فخرجت المظاهرات لتزيل الصدأ عن تلك المحركات لكي تعمل لصالح الشعب بشكلها المطلوب والسريع .

ولعل الخطأ الكبير الذي وقعت به تلك التظاهرات هو تعدد مطاليبها وعدم وجود جهة جامعة لقيادتها ، ولو اجتمعت على هدف واحد لا غير كإخراج الحكومة من المنطقة الخضراء لكي تعيش بين الشعب بشكل طبيعي لاستطاعت أن تحقق انجازا كبيرا لصالح الحكومة قبل غيرها من الجهات ، وأخذت التظاهرات تفقد بريقها يوما بعد يوم لدرجة إنها أصبحت تستثمر من قبل مناوئيها لتحقيق أهدافهم على حساب المتظاهرين ، كما تحولت الاصلاحات إلى أمنيات لم يتحقق منها إلا الجزء اليسير ، وفي ظل تلك الظروف أخذت أسعار النفط تتدهور يوما بعد يوم وكأنه سرطانا ينتشر في جسد الاقتصاد العراقي الذي سبق وان لبس ثوب الاعتماد على صادرات النفط الخام من خلال شركات جولات التراخيص دون غيره من مكونات الدخل القومي ، فأدخلت البلد في حالة تقشف يشبه الحصار إلى حد كبير ولعل الصيحات التي أطلقت لتلافي الاعتماد على الإيرادات النفطية لم تعالج المرض الذي انتقل بالطريقة الوبائية ، لأنه لم ينتقل بطريقة اعتيادية وإنما من خلال الإصابة بفيروس التخلف وخدمة أجندة الأعداء ، وهذا الفيروس من أهدافه ترسيخ المظاهر السلبية في كل شيء ، وإلا بماذا نفسر إنفاق قرابة تريليون دولار خلال 12 عام دون تحقيق التنمية أو انجازات واضحة للعيان وتراجع اغلب المؤشرات الدولية بخصوص التقدم بمختلف المجالات وخلو العراق من أي مظهر للتطور والبناء ؟.

ووصلت بعض الأمور لحدود يأسف عليها كل عراقي شريف ومنها الاعتماد الكلي على إيرادات النفط والعجز الحقيقي في مواجهة أسبقيات الإنفاق ومنها المتطلبات الأساسية لمعيشة الإنسان ، فالبطاقة التموينية تم إفراغ محتوياتها ولم تستطع وزارة التجارة من الإيفاء بمفرداتها الثلاث المتبقية وبشكل ينذر بأزمات شديدة على الفقراء الذين يشكلون نصف السكان ومن المحتمل أن يزدادوا عددا بعد التلاعب برواتب الموظفين والمتقاعدين ، وبشكل سيجعل نسبة مهمة من السكان يشعرون إنهم يعيشون ظروفا اقرب إلى ذكريات الحصار مع الفارق ، والفارق إن الأمل برفع الحصار كان بقرار للتمتع بالثروات الموجودة والتي حرموا منها ظلما ، ولكن العيش في ظل الحصار الاقتصادي ( الجديد ) سيكون بأمل صعب التحقق وأمده غير محدود ، لان المنقذ المتاح هي أسعار النفط التي من المحال العودة إلى ارتفاعاتها الطائشة كما حصل في منتصف العقد الحالي ، بمعنى انه سيكون حصارا صعبا وفارضيه هم من أضاعوا ثروات البلد ويندرجون تحت عنوان الفساد الذي بقى خارج الأضواء وإلاجراءات بخصوص ممارسيه من الفاسدين والمفسدين ، وهذه النتائج لا ترضي المخلصين وقد عبرت المرجعية العليا في خطبة ممثلها في كربلاء المقدسة أمس عن ( أسفها الشديد ) لعدم تمكن الحكومة من تحقيق الإصلاح ومعالجة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية رغم مرور عام كامل على وعودها بهذا الخصوص ، ونأمل جميعا الخروج السريع من هذا الحصار باعتماد الكفاءة في الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط فحسب .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب