لماذا لم يستطع اكثر من رئيس وزراء سابق التصدّي عبر الكفاح لمكافحة الفساد , بينما علينا أن نصدّق بقدرات مجلس مكافحة الفساد ورئيس الوزراء في مكافحته .! ولماذا هذه العصا السحرية المفترضة لم تتواجد سابقاً وجيء بها الآن , ولم يبدأ تشغيلها بعد .!
لسنا هنا بصدد التشكيك بنوايا او نيّات أيّ من رؤساء الوزراء ورؤساء الرئاسات الآخرين , واذا كانت تصريحاتهم بهذا الشأن ضروريةً لإعتبارات الإعلام , فأنها على صعيدٍ جماهيريٍ او على مستوى الرأي العام فهي غير قابلة للصرف في أيٍّ من محلات الصيرفة ولا عند السادة بائعي البسطات , وهي حقيقة تفرض نفسها فرضاً شاء منشاء وأبى من أبى .
يخطئ الظنّ ويوغل به من تنتابه ظنون أنّ ممارسات الفساد تحدث او تغدو جرّاء سلوكيات واجتهاداتٍ فردية لبعض المسؤولين في مؤسسات الدولة سواءً في تهريب النفط او عبر المنافذ الحدودية او على مستوى عقودٍ وهمية وعمولات وسرقات مشرعنة وما الى ذلك , فالفساد وافرازاته في تعميم الإفساد هو منظومة عنكبوتية ” غير شبكة الأنترنيت ” متشعبة وبتنظيمٍ خيطي ومتغلغلة في كافة او معظم مفاصل الدولة المدنية والعسكرية , وهذه المنظومة وارتباطاتها الخارجية والداخلية تحظى بحماية مكثّفة من مسؤولين رفيعي المستوى وقادة احزاب , وتتفرع وتتدرج مهامهم من اعلى المغانم التي تدرّ ارباحاً خيالية والى ادنى مستوياتٍ كتأمين الحماية للملاهي والحانات وما خلف ذلك .! , وهذا الأمر بات مكشوفاً وعارٍ من اية ورقة توت .
ولربما لا يعرف البعض أنّ الإيغال الحكومي والرسمي بلغ درجةً من الصلف بأنّ مدراء عامين جرى اكتشافهم وكشفهم متلبسين بكلا الفساد المالي والأداري ” واثبتت التحقيقات ذلك ” , إنما جرى احالتهم على التقاعد ودون توجيه اية عقوباتٍ بحقهم , ثمّ ما لبث إعادتهم الى مناصبهم بعد تحرّك نفوذ الأحزاب او بعض الأحزاب , والأنكى عدم نقلهم الى وزاراتٍ اخرى < للملمة ولفلفة > القضية وإبعادها عن الأضواء , لكنما جرى اعادتهم الى ذات الوزارات التي كانت مسرحاً وموطئاً لأقتراف جرائمهم المالية .! , فماذا يسمى ذلك وبأيّ اداة توصيفٍ يمكن وصفه .!
الى ذلك , وبأوسع واكثر ضخامةً منه , فهنالك مسألة – معضلة يصعب للغاية عدم تركيز وتسليط اضواء الإعلام عليها ومنذ فترة زمنيةٍ ليست بقصيرة , وهذه المسألة التي تشرعن وتبرّئ فساد المسؤولين هي إسقاط كلّ اتهامات الفساد المالي عن ايّ وزيرٍ يقال او يغادر منصبه او يجري استبداله .! , والمأساة هنا لا تكمن في اعفاء الوزير المعني فحسب , وانما التغاضي وغضّ النظر عن المسؤولين والموظفين والمتواطئين معه في تمرير عملية فسادٍ ما او رشا او عقودٍ وهميةٍ وعمولات , بدلاً من احالتهم الى التحقيقات الأمنية الفورية , او مطالبة الوزير بكشف اسمائهم !
نشكّ كثيراً والى اقصى الدرجات أنّ السادة – القادة يؤمنون بمقولة ” في الإعادة إفادة ” , لكنما رغم اللتي واللتيّا فقد سبق وكتبنا أنّ الإصرار على إبقاء المدراء العامين في مختلف وزارات الدولة من بعد عام 2003 والى غاية الآن , فأنه ومن اكثر من زاويةٍ يشكّل إبداء تسهيلاتٍ وامتيازاتٍ لديمومة الفساد , وانه من دون السادة المدراء العامين فمن الصعب تمرير اية عمليةٍ فاسدة مالياً او ادارياً وغير ذلك ايضاً .! , لكنه دون سمة التعميم واتهام كافة المدراء العامين , لكنه ايضاً أنّ متطلبات الوقاية الأستباقية تقتضي تغيير هذا الهيكل الأداري المتراكم منذ سنين طوال وقطع الطريق على بعضهم , وقد افترضناً خطأً أنّ السيد رئيس الوزراء سيبدأ عهده او ولايته بذلك , لكنه تسببّ لنا بِ Disappointment – خيبة الظنّ .! , ولمْ نتفاجأ بذلك كذلك .!