من العبارات التي تحثنا على أداء واجباتنا على أتم وجه، عبارة لطالما سمعناها على لسان أهالينا أيام الدراسة، إذ كانوا يسخرونها في دفعنا على احتواء الدرس مهما كان فهمه عسيرا علينا، لاسيما وقد كان أغلبنا (دماغ سز) لانحسار أفكارنا بألعابنا وانشغالنا بما لانفع فيه ولاجدوى، وقد كان شفيعنا في هذا أننا (زعاطيط)، ولم نكن ندرك مكمن مصلحتنا في تحقيق النجاح بدراستنا. تلك العبارة هي؛ (في الإعادة إفادة).
اليوم وقد كبرنا، وصرنا رعاة وبتنا مسؤولين عن رعيتنا، وتبعا لهذا فقد اتخذت هذه العبارة في مفهومنا قدرا أكبر من الاهتمام، وصرنا نطبقها في كل كبيرة وصغيرة في حياتنا اليومية، وماهذا إلا لإدراكنا الفائدة المتواخاة من الإعادة، كذلك وعينا للأخطار التي قد تنجم عن تقاعسنا وتراخينا في حزم ما نحن فيه من امر بإعادته والتأكيد عليه، بغية نيل النتائح المرجوة.
ماذكرني بالإعادة والفائدة منها، هو تكرار التظاهرات التي دأب العراقيون على القيام بها في السنوات الأخيرة، وقطعا لم تكن هذه الظاهرة تحدث وتتكرر لولا نفاد صبر العراقيين على مايحدث في بلدهم، ووقوعهم في الأشراك التي نصبها لهم حكامهم، والذين تعاقبوا على جلدهم بسياط وعود بناء البلد الكاذبة، وتعاقبوا أيضا على نقض العهود بالنهوض به الى حيث الأمان والاستقرار والعيش الهني، الأمر الذي آل بالأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية شر مآل، وحال عيش المواطن الى بئس الأحوال. فالتظاهرات إذن، نتيجة حتمية أفرزتها تراكمات سابقة علا سقفها حتى اختنق المواطن تحت ضغطها, وضاق ذرعا بالحلول الترقيعية وأنصافها وأرباعها وأعشارها، بعد أن جيّرها ساسته لخدمة مصالحهم، وحولوها لأرصدة مآربهم، فلم يجد بدا من الصراخ بالأفعال والسير نحو ساحات التحرير والاعتصامات بالأرجل، بعد أن أضحى الصراخ بالألسن ليس بذي نفع، وكأن لسان حاله ينادي ويعيد ويكرر -من باب أن في الإعادة إفادة- قول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لاحياة لمن تنادي
بل أنه -المواطن- بات على إدراك كامل بالألعوبة الكبيرة التي مارسها سراقه طيلة الأعوام الثلاثة عشر الماضية، بعد أن كُشفت أقنعتهم التي تقنعوا بها، وبانت الحقائق جلية واضحة أمام أنظاره، وظهر الزيف بوجهه المعلوم. وما على العراقيين اليوم إلا معرفة أن تكرار التظاهرات وإعادتها لن يحقق الفائدة المرسومة، مالم تنحَ التظاهرات منحى آخر غير الذي سارت عليه في السنوات السابقة، إذ أن الحصول على نتائج مغايرة يتطلب تغيير الخطط، وللوصول الى غاية جديدة يتعين استبدال الطريق المسلوك سابقا، ولن ينفع في هذه الحال التمسك بعبارة (في الإعادة إفادة) لاسيما وقد خبر العراقيون وعرفوا دهاء ساستهم، ومكرهم وقدرتهم العالية في التلاعب بكل شيء في البلد، وأول ما يطاله التلاعب هو القانون، إذ أن مواده وبنوده وفقراته أشبه بأحجار شطرنج، يتحكم بها لوذعي حذق يجيد فن العزف على أوتار المراوغة والمواربة والمواراة، وماهذه الخصال إلا سمة ملازمة لمن يجلسون منذ أكثر من عقد على كراسي الحكم والتحكم، وصفة ملاصقة لأولي الأمر والنهي والبت بمصائر البلاد وملايين العباد. ومادام العراقيون قد وعوا هذا، تقع عليهم مسؤولية التغيير شاء حكامهم أم أبوا -وهم يأبون حتما- وعلى يد العراقيين فقط -لاحكامهم- يهل هلال الفرح في سماء العراق، ولحى الله من قال:
شاطر موغبي من اخذ صفر بيك
صطرني ريح هجرانك صفر بيك
يعام الفيل وين الگه صفر بيك
يهل بفرحة الزهرة عليه
[email protected]