التاريخ تعني سجل الأحداث و المواقف التي مر عليه الزمن , أي أنها وقعت في الماضي سواء القريب أو البعيد منها , و أنها تشكل إرثراً للأمم يفتخر بها الأجيال ،و يأخذون منها الدروس و العبر ،و يجعلون منها مواد و مواضيع للدراسة، و الابحاث ،و التحقيقات , و أن الأهم منها هو كتابتها أو توثيقها بمعناه الواسع لأن التوثيق أشمل من الكتابة ،فان التاريخ يمكن أن يوثق بالأثار ،و الاختام ،و الهياكل ،و الكتابة ايضاً , و ان الشيء الذي يربط الماضي بالحاضر لكل الامم و الحضارات على وجه البسيطة هو التوثيق ،فلولاها لما عرفنا من التاريخ إلا اليسير ،و ان مابقي من الحضارات القديمة من الاثار ،و المخطوفات ،و الكتابات المختلفة ،تدلنا بوضوح إلى طبيعة حياتهم ،و كيفية ادارة شؤونهم و مستوى تعليمهم و عاداتهم و طرق التفاهم فيما بينهم في السلم و الحرب .
و من المبادئ المعمول بها في الحياة و لأهمية التوثيق ينص على ان الحدث غير المكتوب (الموثق) كأنه لم يكن ،و استناداً الى ذلك ،فان الامم و الدول تولي توثيق احداث اليوم اهمية قصوى ،لانه سيكون تاريخ يفتخر بها القادم من الاجيال , و ان الاهتمام بالمتاحف ،و المناطق الاثرية تأتي في هذا السياق فعلى سبيل المثال ان امريكا دونت اسماء جميع جنودها الذين قتلوا في حربها في فيتنام على نصب تذكاري وسط حديقة عامة , و كذلك أسست متحفاً خاصاً لبقايا احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 و نجد ان جميع الدول تهتم بتاريجها و تراثها .
نحن الكوردستانيين ،و نتيجة للظروف السياسية ،و العسكرية التي مرت بها المنطقة، و أطماع الدول العظمى في أرضنا ،و مياهنا ،و موقعنا الجغرافي ،لم تسنح الفرصة لنا ان نوثق تاريخنا و نكتبه بل كتبه الغرباء و المحتلين أعتماداً على ضمائرهم سواء بالحقد ،و الكراهية أم بالحب و العاطفة ،و قليلاً منهم على حياد و دونوا الاحداث كما هي دون زيادة، أو نقصان .
و هذا مايدفعنا الى تأنيب من سبقونا إلا بعدد اصابع اليد من كتبوا التاريخ و حملوا لواء الصدق و الاخلاص في نقل الاحداث .
اليوم علينا واجب توثيق تاريخنا ،و قد أتخذ خطوات كبيرة في هذا المجال، و لكننا مطالبون بالمزيد من الجهد و التنقيب ، لنكون محل أعجاب الاحفاد و لا يشعرون بالنقص أمام غيرهم .
اننا كشعب كوردستان ، امام حدث تاريخي غير مسبوق و لا مدون في بطون كتب التاريخ ، ألا وهو القرار الجريء و الحكيم الذي اتخذه القيادة السياسية في الاقليم المتمثلة بالسيد (مسعود البارزاني/ رئيس الاقليم) و الاحزاب و القوى السياسية المتعددة في ايديولوجياتها ، و توجهاتها ، و قومياتها , باجراء الاستفتاء في 25/9/2017 و يقرر الشعب الكوردستاني مصيره بمحض ارادته ، و بحرية تامة يختار الشكل الذي يناسبه في ادارة حياته و نمط عيشه , هذا القرار الذي ضحى من اجلها الالاف و سالت انهاراً من الدماء و الدموع في سبيلها ، فلا زالت اصوات المدافع ، و سلاسل الدبابات ، و بكاء الاطفال ، و صراخ الامهات تملئ الآذان ،و الوديان ،و لكن الشعب بقي صامداً شامخاً كالجبال ، و لم تسطتع الانظمة الحاكمة من ان يحيده عن طريقه في المطالبة بحقوقه قيد أنملة قد اتت تلك الشجرة التي اصلها ثابت، و فروعها تعانق الغيوم بثمارها , و فتحت الابواب على مصارعيها لنقول كلمتنا بكل اخلاص و نودع صفحات المأسي و الآهات و نسجل التاريخ بأيدينا و كيفما نريد و حسب ما نشتهيه على أساس التعايش السلمي ،و العدالة الاجتماعية ، و الديمقراطية و حقوق الانسان، و نكون نبراساً في العالم ،رغم تعالي الاصوات و معارضتهم بعدم المشاركة في الاستفتاء او الطلب بتأجيلها و انها لاتزيدنا الا الحماسة و انتظار ذلك اليوم الذي نقول فيها من اعماق القلب نعم للاستقلال و الدولة الكوردستانية و ندخل التاريخ من أوسع ابوابها لانه حدث قلما يتكرر في حياة الانسان و ان الظروف السياسية و الأمنية و القانونية مناسبة مما يجعل التأجيل امراً صعباً و يطرح الاسئلة الكثيرة و يعاتبنا الاجيال القادمة و ان الاحداث تغير مجرى التاريخ فلنسجلها بحروف من الذهب ،أو نتحمل ما يكتبه التاريخ علينا .